يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ وَاجِبًا، وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، سَوَاءٌ فَعَلَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَالْفَرْقُ الثَّانِي: مِنْ غَالِطِي الْمُتَصَوِّفَةِ، شَرِبُوا مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ، فَشَهِدُوا أَنَّ اللَّهَ رَبُّ الْكَائِنَاتِ جَمِيعًا، وَعَلِمُوا أَنَّهُ قَدَرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَشَاءَهُ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ لَا يَكُونُوا رَاضِينَ حَتَّى يَرْضَوْا بِكُلِّ مَا يُقَدِّرُهُ وَيَقْضِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: " الْمَحَبَّةُ نَارٌ تُحْرِقُ مِنْ الْقَلْبِ كُلَّ مَا سِوَى مُرَادِ الْمَحْبُوبِ ". قَالُوا: " وَالْكَوْنُ كُلُّهُ مُرَادُ الْمَحْبُوبِ ".
وَضَلَّ هَؤُلَاءِ ضَلَالًا عَظِيمًا، حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْإِرَادَةِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَوْنِيَّةِ، وَالْإِذْنِ الْكَوْنِيِّ وَالدِّينِيِّ، وَالْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ وَالدِّينِيِّ، وَالْبَعْثِ الْكَوْنِيِّ وَالدِّينِيِّ، وَالْإِرْسَالِ الْكَوْنِيِّ وَالدِّينِيِّ، كَمَا بَسَطْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَهَؤُلَاءِ يَئُولُ الْأَمْرُ بِهِمْ إلَى أَنْ لَا يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ. وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ، وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُتَّقِينَ، وَيَجْعَلُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ وَيَجْعَلُونَ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، وَيُعَطِّلُونَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ وَالشَّرَائِعَ، وَرُبَّمَا سَمَّوْا هَذِهِ حَقِيقَةً، وَلَعَمْرِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ كَوْنِيَّةٌ، لَكِنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ قَدْ عَرَفَهَا عُبَّادُ الْأَصْنَامِ، كَمَا قَالَ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: ٢٥] . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون: ٨٤] {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [المؤمنون: ٨٥] . الْآيَاتُ.
فَالْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، فَمَنْ كَانَ هَذَا مُنْتَهَى تَحْقِيقِهِ كَانَ أَقْرَبَ أَنْ يَكُونَ كَعُبَّادِ الْأَصْنَامِ.
وَالْمُؤْمِنُ إنَّمَا فَارَقَ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَبِرُسُلِهِ، وَبِتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا أَخْبَرُوا وَطَاعَتُهُمْ فِيمَا أَمَرُوا، وَاتِّبَاعُ مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ وَيُحِبُّهُ، دُونَ مَا يُقَدِّرُهُ وَيَقْضِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، وَلَكِنْ يَرْضَى بِمَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَصَائِبِ، لَا بِمَا فَعَلَهُ مِنْ الْمَعَائِبِ. فَهُوَ مِنْ الذُّنُوبِ يَسْتَغْفِرُ، وَعَلَى الْمَصَائِبِ يَصْبِرُ، فَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر: ٥٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute