للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَجْمَعُ بَيْنَ طَاعَةِ الْأَمْرِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَصَائِبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: ١٢٠] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران: ١٨٦] . وَقَالَ يُوسُفُ: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: ٩٠] .

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ عَنْ النَّصْرِ آبَادِي مِنْ أَحْسَنِ الْكَلَامِ، حَيْثُ قَالَ: " مَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْلُغَ مَحَلَّ الرِّضَا فَلْيَلْزَمْ مَا جَعَلَ اللَّهُ رِضَاهُ فِيهِ "، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي سُلَيْمَانَ: " إذَا سَلَا الْعَبْدُ عَنْ الشَّهَوَاتِ فَهُوَ رَاضٍ "، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الرِّضَا وَالْقَنَاعَةِ طَلَبُ نَفْسِهِ لِفُضُولِ شَهَوَاتِهَا، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ سَخَطَ، فَإِذَا سَلَا عَنْ شَهَوَاتِ نَفْسِهِ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ الرِّزْقِ.

وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ، عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ، لِبِشْرٍ الْحَافِي: " الرِّضَا أَفْضَلُ مِنْ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ الرَّاضِيَ لَا يَتَمَنَّى فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ "، كَلَامٌ حَسَنٌ، لَكِنْ أَشُكُّ فِي سَمَاعِ بِشْرٍ الْحَافِي مِنْ الْفُضَيْلِ.

وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مُعَلَّقًا قَالَ: " قَالَ الشِّبْلِيُّ بَيْنَ يَدَيْ الْجُنَيْدِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، فَقَالَ: الْجُنَيْدُ: قَوْلُك ذَا ضَيِّقُ الصَّدْرِ، وَضِيقُ الصَّدْرِ لِتَرْكِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، " فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْكَلَامِ. وَكَانَ الْجُنَيْدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَيِّدَ الطَّائِفَةِ وَمِنْ أَحْسَنِهِمْ تَعْلِيمًا وَتَأْدِيبًا وَتَقْوِيمًا.

وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ كَلِمَةُ اسْتِعَانَةٍ لَا كَلِمَةُ اسْتِرْجَاعٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُهَا عِنْدَ الْمَصَائِبِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِرْجَاعِ، وَيَقُولُهَا جَزَعًا لَا صَبْرًا، فَالْجُنَيْدُ أَنْكَرَ عَلَى الشِّبْلِيِّ فِي سَبَبِ قَوْلِهِ لَهَا، إذْ كَانَتْ حَالًا يُنَافِي الرِّضَا، وَلَوْ قَالَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ.

وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ آثَارٌ ضَعِيفَةٌ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ مُعَلَّقًا قَالَ: " وَقِيلَ: قَالَ مُوسَى: إلَهِي دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إذَا عَمِلْته رَضِيت عَنِّي، فَقَالَ: إنَّك لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَخَرَّ مُوسَى سَاجِدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>