مُتَضَرِّعًا، فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ: يَا بْنَ عِمْرَانَ رِضَائِي فِي رِضَاك عَنِّي ". فَهَذِهِ الْحِكَايَةُ الْإِسْرَائِيلِيَّة فِيهَا نَظَرٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: لَا يَصْلُحُ أَنْ يُحْكَى مِثْلُهَا عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْإِسْرَائِيلِيَّات لَيْسَ لَهَا إسْنَادٌ، وَلَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ إلَّا إذَا كَانَتْ مَنْقُولَةً لَنَا نَقْلًا صَحِيحًا، مِثْلَ مَا ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا أَنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلَكِنْ مِنْهُ مَا يُعْلَمُ كَذِبُهُ مِثْلَ هَذِهِ، فَإِنَّ مُوسَى مِنْ أَعْظَمِ أُولِي الْعَزْمِ وَأَكَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يُطِيقُ أَنْ يَعْمَلَ مَا يَرْضَى اللَّهُ بِهِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى رَاضٍ عَنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، أَفَلَا يَرْضَى عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ. كَلِيمِ الرَّحْمَنِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ - جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: ٧ - ٨] .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ أَفْضَلِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ مُوسَى بِمَزِيَّةٍ فَوْقَ الرِّضَا حَيْثُ قَالَ: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: ٣٩] .
ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ فِي الْخِطَابِ: (يَا ابْنَ عُمْرَانِ) مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ مِنْ خِطَابِهِ فِي الْقُرْآنِ حَيْثُ قَالَ: {يَا مُوسَى} [طه: ٣٦] . وَذَلِكَ الْخِطَابُ فِيهِ نَوْعُ غَضٍّ مِنْهُ كَمَا يَظْهَرُ.
وَمِثْلُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ قِيلَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الرِّضَا، فَإِنْ اسْتَطَعْت أَنْ تَرْضَى وَإِلَّا فَاصْبِرْ، فَهَذَا الْكَلَامُ كَلَامٌ حَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ إسْنَادُهُ. وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا وَمُعَلَّقًا مَا هُوَ صَحِيحٌ وَغَيْرُهُ، فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ إلَّا مُرْسَلَةً. وَبِمِثْلِ ذَلِكَ لَا تَثْبُتُ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ، فَهَذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمُرْسَلَ هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute