وقال الشافعي: "ولو شك رجل أنزل أو لم ينزل، لم يجب عليه الغسل حتى يستيقن بالإنزال، والاحتياط أن يغتسل" [الأم (٢/ ٨٢)].
وقال أبو يوسف: "لا غسل عليه حتى يستيقن أنه قد احتلم" [المبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني (١/ ٤٩)].
وقال ابن رجب في شرح حديث أم سلمة في صحيح البخاري [فتح الباري (١/ ٣٤١)]: "فبيَّن - صلى الله عليه وسلم - أن للمرأة ماء كما للرجل، وأنها إذا رأت الماء في نومها باحتلام فإنه يجب عليها الغسل منه، وفي ذلك تنبيه على أن الرجل كذلك، وأنه إذا رأى حلمًا ورأى الماء أنه يلزمه الغسل، وهذا مما لا اختلاف فيه بين العلماء ...
قال: ولو رأى الرجل والمرأة بللًا ولم يذكرا احتلامًا، فإن كانت أوصاف المني موجودة فيه لزمه الغسل، وإن احتمل أن يكون منيًّا وأن يكون مذيًا وغير ذلك ففيه قولان:
أحدهما: عليه الغسل، حكاه الترمذي في كتابه عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، وعن سفيان وأحمد.
وممن روي عنه أنه قال: يغتسل: ابن عباس، وعطاء، والشعبي، والنخعي، وهو قول أبي حنيفة، وظاهر مذهب أحمد؛ إلا أنه استثنى من ذلك: أن يكون ثم سبب يقتضي خروج غير المني، مثل أن يكون قد سبق منه ملاعبته لأهله، أو فكر قبل نومه، أو يكون به إبردة فخرج منه بلل بسببها، فلم يوجب الغسل في هذه الصور؛ لأن إحالة البلل الخارج على السبب الموجود المعلوم أولى من إحالته على سبب موهوم.
فإن لم يوجد شيء من هذه الأسباب لزمه الغسل؛ لأن خروج المني من النائم بالاحتلام هو الأغلب، فيحال البلل عند الشك عليه دون المذي وغيره؛ لأن خروج ذلك في النوم أندر، ولأن ذمته قد اشتغلت بطهارة قطعًا ولا يتيقن، بل ولا يغلب على الظن صحة صلاته بدون الإتيان بطهارة الوضوء والغسل، فلزمه ذلك.
والقول الثاني: لا غسل عليه بذلك حتى يتيقن أنه مني، وهو قول: مجاهد، وقتادة، والحكم، وحماد، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبي يوسف؛ لأن الأصل الطهارة، فلا يجب الغسل بالشك.
والقول الأول أصح.
... ورجح هذا القول طائفة من محققي الشافعية أيضًا.
وأما إن رأى الرجل والمرأة احتلامًا، ولم ير بللًا فلا غسل عليه، كما دل عليه هذا الحديث الصحيح [يعني: حديث أم سلمة الآتي]، وحكاه الترمذي عن عامة أهل العلم، وحكاه ابن المنذر إجماعًا عن كل من يحفظ عنه من أهل العلم، ... ".
وانظر أيضًا: بدائع الفوائد (٥٢٠)، وفيه كلام جيد فليراجع، المغني (١/ ٢٠١)، الإنصاف (١/ ٢٢٢)، شرح السُّنَّة (١/ ٣٤٠).
***