ويصح مرسلًا عن مقسم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
• وعليه: فذمة العباد بريئة حتَّى يثبت ما يشغلها، ولا يثبت فيه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن المنذر:"فإن ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه أوجب ما ذكرناه؛ وجب الأخذ به، ثم لم يكن بين قبول ذلك منه في هذا الباب، وبين قبولنا منه ما أوجب على الَّذي وقع على أهله في شهر رمضان فرق؛ لأنَّ الخبر إذا ثبت وجب التسليم له، وإن لم يثبت الخبر - ولا أحسبه يثبت - فالكفارة لا يجوز إيجابها إلا أن يوجبها الله - عَزَّ وَجَلَّ -، أو يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه أوجبها، ولا نعلم إلى هذا الوقت حجة توجب ذلك، والله أعلم" [الأوسط (٢/ ٢١٢)].
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢/ ٨١): "وحجة من لم يوجب عليه كفارة إلا الاستغفار والتوبة: اضطراب هذا الحديث عن ابن عباس، وأن مثله لا تقوم به حجة، وأن الذمة على البراءة، ولا يجب أن يثبت فيها شيء لمسكين ولا غيره، إلا بدليل لا مدفع فيه، ولا مطعن عليه، وذلك معدوم في هذه المسألة".
وقال ابن حزم في المحلى (٢/ ١٨٧ - ١٩٠): "ومن وطئ حائضًا فقد عصى الله تعالى، ولا كفارة عليه في ذلك"، ثم ذكر الأقوال في هذه المسألة، وما احتجوا به ثم قال:"كل ذلك لا يصح منه شيء"، فعاد عليها بالتضعيف والإبطال، ثم قال:"فلو صح شيء من هذه الآثار لأخذنا به، فإذا لم يصح في إيجاب شيء على واطئ الحائض فماله حرام، فلا يجوز أن يلزم حكمًا أكثر مما ألزمه الله من التوبة من المعصية التي عمل، والاستغفار، والتعزير؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ... "".
وقال أيضًا (١٠/ ٨٠ - ٨١): "وأما نحن فلو صح شيء من كل هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقلنا به، فلما لم يصح فيه شيء لم يجب منه شيء؛ لأنَّه شرع لم يأمر الله تعالى به، وممن قال بقولنا: ابن سيرين؛ صح عنه أنَّه قال: "يستغفر الله، وليس عليه شيء"، وصح أيضًا مثل ذلك عن إبراهيم النخعي، وعطاء، ومكحول، وهو قول: مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأبي سليمان وأصحابهم".
وقال الخطابي في المعالم (١/ ٧٢): "قد ذهب إلى إيجاب الكفارة عليه غير واحد من العلماء، منهم: قتادة، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وبه قال الشافعي قديمًا، ثم قال في الجديد: "لا شيء عليه".
قلت: ولا ينكر أن يكون فيه كفارة لأنَّه وطء محظور كالوطء في رمضان.
وقال أكثر العلماء: لا شيء عليه، ويستغفر الله، وزعموا أن هذا الحديث: مرسل؛ أو موقوف على ابن عباس، ولا يصح متصلًا مرفوعًا، والذمم برية إلا أن تقوم الحجة بشغلها ... ". انتهى كلامه.
وقال الترمذي: "حديث الكفارة في إتيان الحائض قد روي عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا، وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق.