للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجمعة، وهو من جملة الفضائل وليس من الواجبات، وكذلك غسل الجمعة لا سيما مع معاناة طلب الرزق بالصفق في الأسواق؛ مما يحصل معه العرق وتنبعث به الأرواح الكريهة، قال عثمان: "انقلبت من السوق فسمعت النداء"، فأنكر عليه عمر أن يكون اكتفى بالوضوء لا سيما في مثل هذه الحال التي يتأكد فيها طلب الاغتسال لإزالة هذه الأرواح وتنظيف البدن منها؛ حتى يشهد الجمعة برائحة زكية، وهي العلة التي من أجلها شرع غسل الجمعة، وحتى لا يتأذى بالروائح الكريهة الناس والملائكة، والله أعلم.

ووجه آخر من الدلالة:

قال الإِمام الشافعي في الرسالة (١/ ١٣٦ - أم) بعد أن أسند حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم", وحديث ابن عمر مرفوعًا: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل", قال الشافعي: "فكان قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غسل يوم الجمعة: واجب، وأمره بالغسل؛ يحتمل معنيين:

الظاهر منها: أنه واجب؛ فلا تجزئ الطهارة لصلاة الجمعة إلا بالغسل، كما لا يجزئ في طهارة الجنب غير الغسل.

ويحتمل أنه واجب في الاختيار وكرم الأخلاق والنظافة ... [ثم أسند حديث ابن عمر، عن أبيه، ثم قال الشافعي:] فلما حفظ عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر بالغسل يوم الجمعة، وعلم أن عثمان قد علم من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغسل، ثم ذكر عمر لعثمان أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالغسل، وعلم عثمان ذلك، فلو ذهب على من توهم أن عثمان نسي فقد ذكره عمر قبل الصلاة بنسيانه، فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل، ولما لم يأمره عمر بالخروج للغسل، دل ذلك على أنهما قد علما أن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغسل على الاختيار، لا على أن لا يجزئ غيره؛ لأن عمر لم يكن ليدع أمره بالغسل ولا عثمان، إذ علمنا أنه ذاكر لذلك الغسل وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالغسل إلا والغسل- كما وصفنا - على الاختيار".

وقال نحوه في اختلاف الحديث (١٠/ ١٣٩ - أم) وكان مما قال: "ولم يغتسل [يعني: عثمان] , ولم يخرج عثمان فيغتسل، ولم يأمره عمر بذلك، ولا أحد ممن حضرهما من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . . دل هذا على أن عمر وعثمان قد علما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالغسل على الأحب لا على الإيجاب للغسل الذي لا يجزئ غيره".

وممن نقل كلام الشافعي هذا بنصه أو بتصرف: الترمذي في الجامع بعد الحديث رقم (٤٩٧)، والبيهقي في السنن الكبرى (١/ ٢٩٥)، وابن المنذر في الأوسط (٤/ ٤٣)، وغيرهم.

وقال الطحاوي في شرح المعاني (١/ ١١٨): "ففي هذه الآثار غير معنى ينفي وجوب الغسل:

أما أحدهما: فإن عثمان لم يغتسل واكتفى بالوضوء، وقد قال عمر: قد علمت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا بالغسل، ولم يأمره عمر أيضًا بالرجوع لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه بالغسل.

ففي ذلك دليل على أن الغسل الذي كان أمر به، لم يكن عندهما على الوجوب، وإنما كان لعلة ما قال ابن عباس - رضي الله عنهما -، وعائشة - رضي الله عنها -، أو لغير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>