ولهذا فقد اعتمد البخاري طريق ابن أبي ذئب وصححه؛ قال ابن حجر في الفتح (٢/ ٤٣٢): "وإذا تقرر ذلك عرف أن الطريق التي اختارها البخاري أتقن الروايات ... ".
وقال الدارقطني في العلل (١٠/ ٣٤٩): "والحديث عندي: حديث ابن أبي ذئب والضحاك بن عثمان؛ لأن للحديث أصلًا محفوظًا عن سلمان يرويه أهل الكوفة".
قلت: يعني بذلك: ما رواه منصور والمغيرة كلاهما، عن أبي معشر زياد بن كليب، عن إبراهيم، عن علقمة عن القرثع الضبي -وكان من القراء الأولين-، عن سلمان، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من رجل ينطهر يوم الجمعة كما أمر، ثم يخرج من بيته حتى يأتي الجمعة، فينصت حتى يقضي الإمام صلاته، إلا كان كفارة لما كان قبله من الجمعة" وفي رواية المغيرة: "إلا كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها ما اجتنبت المقتلة".
أخرجه النسائي في المجتبى (٣/ ١٠٤/ ١٤٠٣)، وفي السنن الكبرى (٢/ ٢٦١ و ٢٦٢ و ٢٨٣ و ٢٨٤/ ١٦٧٦ و ١٦٧٧ و ١٧٣٦ و ١٧٣٧)، وابن خزيمة (٣/ ١١٨/ ١٤٨)، والحاكم (١/ ٢٧٧)، وأحمد (٥/ ٤٣٩ و ٤٤٠)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (١/ ١٤٧ و ١٤٨)، والبزار (٦/ ٤٩١/ ٢٥٢٥ و ٢٥٢٦)، والطحاوي (١/ ٣٦٨)، وابن أبي حاتم في التفسير (١٠/ ٣٣٥٦/ ١٨٨٩٥)، والطبراني في الكبير (٦/ ٢٣٧/ ٦٠٨٩ و ٦٠٩١)، وابن حزم (٥/ ٦٢)، والبيهقي في الشعب (٣/ ٩٥ - ٩٦/ ٢٩٨٤ و ٢٩٨٥)، والخطيب في الموضح (١/ ١٦٤)، والرافعي في التدوين (٢/ ٢٣١).
وهذا إسناد كوفي صالح، رجاله ثقات، غير القرثع الضبي؛ فإنه تابعي مخضرم، وثقه العجلي، وروى عنه جمع من الثقات، إلا أن ابن حبان حمل عليه في المجروحين (٢/ ٢١١)، فقال:"روى أحاديث يسيرة خالف فيها الأثبات، لم تظهر عدالته فيسلك به مسلك العدول حتى يحتج بما انفرد، ولكنه عندي يستحق مجانبة ما انفرد من الروايات لمخالفته الأثبات" [انظر: التاريخ الكبير (٧/ ١٩٩ و ٢٠٥)، الجرح والتعديل (٧/ ١٤٧)، ثقات العجلي (١٣٨٢)، الموضح (١/ ١٦٣)، الميزان (٣/ ٣٨٧)، التهذيب (٦/ ٤٩٨)، التقريب (٥٠٨)، وقال:"صدوق، من الثانية، مخضرم، قتل في زمن عثمان"].
قلت: قرثع الضبي لم ينفرد بهذا الحديث، ولم يخالف، فليس في حديثه هذا ما يخالف رواية ابن أبي ذئب، بل هو متابع له في حديثه، فيقبل منه ومن غيره ما وافق الثقات.
• وقد اختلف في إسناد حديث قرثع هذا إلا أن ما ذكرته هو المحفوظ فيه [انظر: الجمعة وفضلها لأبي بكر المروزي (٤٩)، علل ابن أبي حاتم (٦٠٣)، المعجم الكبير للطبراني (٦٠٩٠ و ٦٠٩٢)، المعجم الأوسط له (٨٢١)، تاريخ بغداد (١١/ ٤٣٠)، الموضح (١/ ١٦٣)].
وقد ذكر علي بن المديني في العلل (١٤٦) بعض هذا الاختلاف على سعيد المقبري، ثم قال: "والحديث عندي: حديث سلمان؛ لأنه رواه الضحاك بن عثمان [في المطبوع: