إن سلمة بن علقمة، والذي روى عنه قوله:"نبئت عن عائشة"، أقدم وفاة من الحمراني، فهو أولى أن يكون حمله عنه قبل أن ينسى.
ثم إن عبد الله بن شقيق: بصري تابعي ثقة مشهور معاصر لابن سيرين ومن أهل بلده، الفارق بين وفاتيهما سنتان فقط [ابن شقيق توفي سنة (١٠٨ هـ)، وابن سيرين توفي سنة (١١٠ هـ)]، فليس هو قديم الوفاة بالنسبة لابن سيرين حتى يقول:"سمعته منذ زمان"، ثم افترقا بعد ذلك إما بالبلدان وإما بالوفاة، فهما بلديان متعاصران، قد روى عن ابن سيرين أحاديث، فلماذا نسي حديثه هذا وذكر غيره، والثقة المشهور المعاصر البلدي حديث الوفاة: لا يكاد يُنسى عند الحفاظ المتقنين أمثال ابن سيرين، فابن شقيق ليس هو من الغرباء، ولا قديم الوفاة، ولا من المجاهيل غير المشهورين بحمل هذا العلم الشريف حتى ينساه مثل ابن سيرين، والله أعلم.
إذا ظهر هذا علمت أن البخاري في تاريخه الأوسط والكبير قد أعل رواية معاذ بن معاذ عن أشعث الموصولة، برواية سعيد بن أبي صدقة، وكذلك أبو داود.
بل إن الإمام أحمد أنكر هذا الحديث -حديث أشعث- إنكارًا شديدًا، قال عبد الله بن أحمد في العلل (٣/ ٤٦٤)(٥٩٨٢): "حدثت أبي بحديث، حدثناه عبيد الله بن عمر القواريري، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: حدثنا الأشعث -يعني: ابن عبد الملك الحمراني-، عن محمد، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي في شُعُرنا أو: لحافنا. قال أبي: ما سمعت عن أشعث حديثًا أنكر من هذا، وأنكره أشد الإنكار".
• والحديث يرويه قتادة مرسلًا:
فقد روى أحمد في مسنده (٦/ ١٢٩)، قال: ثنا عفان، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، عن ابن سيرين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره الصلاة في ملاحف النساء.
وروى ابن أبي شيبة (٢/ ١٥٥/ ٧٦٠١)، قال: حدثنا عبد الله بن نمير، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عائشة: أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكره الصلاة في مشاعرهن.
وفي الجملة: فإن الحديث منكر، والمعروف عن عائشة وغيرها بخلافه، كما سيأتي برقم (٣٧٠).
وقد بوب البخاري في صحيحه في (٨) كتاب الصلاة، (٢٢) باب الصلاة على الفراش، وذكر حديث عائشة من ثلاث طرق (٣٨٢ و ٣٨٣ و ٣٨٤)، وأحد ألفاظه: كنت أنام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجليَّ، فإذا قام بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح.
قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (٢/ ٢٦١): "وجه الاستدلال بهذا الحديث على جواز الصلاة على الفراش أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تنام على فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ينام هو وعائشة عليه، وكان يقوم فيصلي من الليل، وهي نائمة معترضة بين يديه على الفراش،