للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنه قال: "غسله أحب إليَّ"، وقد روي عن عائشة خلاف هذا القول، ولم يسمع سليمان علمناه من عائشة حرفًا قط، ولو رواه عنها كان مرسلًا".

وقال البزار: "وإنما يروى الغسل عن عائشة - رضي الله عنها - من وجه واحد، رواه عمرو بن ميمون، عن سليمان بن يسار، عن عائشة - رضي الله عنها -، ولم يسمع سليمان بن يسار من عائشة، ولا يكون معارضًا لهذه الأحاديث [يعني: أحاديث الفرك والحت] حديث عمرو عن سليمان عن عائشة". [الإمام لابن دقيق العيد (٣/ ٤١٦)].

قلت: أما عمرو بن ميمون فإنه ممن يحتمل تفرده بمثل هذا، فإنه ثقة لم يتكلم فيه أحد بجرحة تسقط الاحتجاج به عند التفرد، فقد قال فيه ابن معين والنسائي وابن نمير وابن سعد وغيرهم: "ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أحمد: "ليس به بأس وقال ابن خراش: "شيخ صدوق"، وأثنوا عليه خيرًا في دينه وورعه وعلمه وفقهه، ونعته الذهبي في السير بقوله: "الإمام الحافظ أبو عبد الله الجزري الفقيه فهو كما قال الحافظ في التقريب: "ثقة فاضل" [التهذيب (٣/ ٣٠٧)، تاريخ بغداد (١٢/ ١٨٩)، تهذيب الكمال (٢٢/ ٤٤٥٧)، سير أعلام النبلاء (٦/ ٣٤٦)]، فلا يخاف منه الغلط في هذا الحديث، لا سيما وسياق الروايات عنه يؤكد أنه حدث به في مجالس متعددة وحمله الحفاظ عنه على أكثر من وجه، فكان يحدث به أحيانًا بالمعنى، ومع هذا فلم يحل المعاني، ولم يضطرب فيه: لا في إسناده، ولا في متنه، وتصرفه في ألفاظه مما يحتمل.

وأما القول في إعلال الحديث بأنه إنما هو رأي سليمان بن يسار وفتواه، فقال الحافظ ابن حجر في الفتح (١/ ٣٩٩): "وليس بين فتواه وروايته تنافٍ، وكذا لا تأثير للاختلاف في الروايتين حيث وقع في إحداهما أن عمرو بن ميمون سأل سليمان، وفي الأخرى أن سليمان سأل عائشة؛ لأن كلًّا منهما سأل شيخه، فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض، وكلهم ثقات".

وأما قول الشافعي: "وقد روي عن عائشة خلاف هذا القول": فلا تناف بينهما، فالفرك كان في بعض الأحيان، والغسل كان في بعض، فأخبرت كلًّا بما وقع في حال.

وأما قول الشافعي، والبزار بأن سليمان بن يسار لم يسمع من عائشة، فمردود برواية الثقات الحفاظ، فقد وقع التصريح بسماعه منها في رواية يزيد بن هارون [وهو: ثقة متقن]، ومحمد بن بشر [وهو: ثقة حافظ]، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة [وهو: ثقة متقن]، وعبد الواحد بن زياد [وهو: ثقة]، وسليم بن أخضر [وهو: ثقة ضابط]:

فهؤلاء خمسة من الثقات الحفاظ المتقنين ورد في روايتهم التصريح بالسماع بألفاظ مختلفة، فهل يحتاج في إثبات السماع لأكثر من هذا، وهو يثبت بأقل من هذا بكثير ولو بثقة واحد.

ففي رواية يزيد بن هارون عند البخاري (٢٣٠): قال سليمان: سمعت عائشة، وعند غيره: أخبرتني عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>