للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي مسائل خطاب بن بشر بن مطر قال: "سألت أحمد عن الجنابة تصيب الثوب؟ فقال: يفركه ويغسله؛ أي ذلك فعل أجزأه؛ لأنهما قد رُويا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جميعًا. فقلت له: فإذا كان رطبًا، كيف يفركه؟ قال: يمسحه، كما قال ابن عباس: "بإذخرة". قال: ولو كان نجسًا ما كان الفرك يطهره" [طبقات الحنابلة (١/ ٤٠٧)، المقصد الأرشد (١/ ٣٧٤)].

وهذا نص عزيز عن الإمام أحمد في طهارة المني، وأن المني لو كان نجسًا لما طهره الفرك [وانظر: مسائل صالح (٤٠٧ و ١٠٣٠ و ١٠٣٤)، مسائل أبي داود (١٤٨ - ١٥٠)، مسائل ابن هانئ (١/ ٢٥)، مسائل عبد الله (١/ ٤٩)، المغني (١/ ٤١٦)، مسائل إسحاق بن منصور الكوسج (٦٤)].

• ومن أقوى الأدلة على طهارة المني: ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية حيث سئل عن المني هل هو طاهر أم لا؟ فقال: "وأما المني: فالصحيح أنه طاهر، كما هو مذهب الشافعي، وأحمد في المشهور عنه.

وقد قيل: إنه نجس يجزئ فركه؛ كقول أبي حنيفة، وأحمد في رواية أخرى، وهل يعفى عن يسيره كالدم، أو لا يعفي عنه كالبول؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد.

وقيل: إنه يجب غسله، كقول مالك.

والأول: هو الصواب.

فإنه من المعلوم أن الصحابة كانوا يحتلمون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن المني يصيب بدن أحدهم وثيابه، وهذا مما تعم به البلوى، فلو كان ذلك نجسًا لكان يجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بإزالة ذلك من أبدانهم وثيابهم، كما أمرهم بالاستنجاء، وكما أمر الحائض بأن تغسل دم الحيض من ثوبها، بل إصابة الناس المني أعظم بكثير من إصابة دم الحيض لثوب الحيض.

ومن المعلوم أنه لم ينقل أحد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أحدًا من الصحابة بغسل المني من بدنه ولا ثوبه، فعُلم يقينًا أن هذا لم يكن واجبًا عليهم، وهذا قاطع لمن تدبره.

وأما كون عائشة - رضي الله عنها - كانت تغسله تارة من ثوب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتفركه تارة، فهذا لا يقتضي تنجيسه، فإن الثوب يغسل من المخاط والبصاق والوسخ، وهكذا قال غير واحد من الصحابة -كسعد بن أبي وقاص، وابن عباس وغيرهما-: إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، أمطه عنك ولو بإذخره" [المجموع (٢١/ ٦٠٤)]. [وانظر: التنقيح لابن عبد الهادي (٣/ ٤٣٩)].

• ومن الأدلة على طهارة المني أيضًا: أن الأصل في الأعيان الطهارة فيجب القضاء بطهارته حتى يجيئنا ما يوجب القول بأنه نجس، قاله شيخ الإسلام، ثم قال: "وقد بحثنا وسبرنا فلم نجد لذلك أصلًا، فعلم أن كل ما لا يمكن الاحتراز عن ملابسته معفو عنه، ومعلوم أن المني يصيب أبدان الناس وثيابهم وفرشهم بغير اختيارهم أكثر مما يلغ الهر في آنيتهم، فهو طواف الفضلات، بل قد يتمكن الإنسان من الاحتراز من البصاق والمخاط

<<  <  ج: ص:  >  >>