وقال ابن عبد البر في التمهيد (٥/ ١٠٩): "قال مالك: معناه في القشب اليابس والقذر الجاف الذي لا يتعلق منه بالثوب شيء، فإذا كان هكذا كان ما بعده من المواضع الطاهرة حينئذ تطهيرًا له، وهذا عنده ليس تطهيرًا من نجاسة؛ لأن النجاسة عنده لا يطهرها إلا الماء، وإنما هو تنظيف لأن القشب اليابس ليس ينجس ما مسه ... "، وانظر: الاستذكار (١/ ١٧١)، والعارضة (١/ ١٩٢).
٢ - وقال الشافعي في قوله:"يطهره ما بعده": "إنما هو ما جُرَّ على ما كان يابسًا، لا يعلق بالثوب منه شيء، فأما إذا جر على رطب، فلا يطهر إلا بالغسل، ولو ذهب ريحه ولونه وأثره" [الأوسط (٢/ ١٧١)، معالم السنن (١/ ١٠٢)، وانظر: غريب الحديث للخطابي (٣/ ١٠٩)، النهاية لابن الأثير (٣/ ١٤٧)، المجموع للنووي (١/ ١٤٤)].
٣ - وقال أحمد في مسائل ابنه صالح (١٠٣٧)، وأبي بكر الأثرم [التمهيد (٥/ ١٠٩)، الاستذكار (١/ ١٧١)،: "حديث أم سلمة: "يطهره ما بعده": ليس هذا عندي على أنه إذا أصابه بول ثم مر بعده على الأرض أنها تطهره، ولكنه يمر بالمكان يتقذره فيمر بعده بمكان هو أطيب منه، فيطهره الطيب".
وانظر: مسائل إسحاق بن منصور الكوسج (٥١).
وأما أبو حنيفة وأصحابه فحملوه على ظاهره، قال ابن عبد البر في الاستذكار (١/ ١٧١): "وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد: كل ما أزال عين النجاسة فقد طهرها، والماء وغيره في ذلك سواء"، وزاد في التمهيد (٥/ ١٠٩): "وهو قول داود، وبه قال جماعة من التابعين، ومن حجتهم: الحديث المذكور في هذا الباب، في ذيل المرأة".
قلت: وهذا هو الصواب، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتقدم نقل بعض كلامه في هذه المسألة تحت الحديث رقم (٣٨٢)، ومما لم ينقل: ما قاله في المجموع (٢١/ ٤٨١): "قد جعل [يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم -] التراب يطهر أسفل النعل، وأسفل الذيل، وسماه طهورًا".
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان (١/ ١٤٧): "وقد رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - للمرأة أن ترخي ذيلها ذراعًا، ومعلوم أنه يصيبه القذر ولم يأمرها بغسل ذلك، بل أفتاهن بأنه تطهره الأرض".
وكان قال قبل ذلك:"وكذلك ذيل المرأة -على الصحيح-"؛ يعني: تطهره الأرض، ثم احتج بحديث أم سلمة.
• قلت: وفي حديث الأشهلية، ما يؤكد حمل حديث أم سلمة على ظاهره من يابس النجاسة ورطبها، ففيه قولها: فكيف نفعل إذا مطرنا؟؛ يعني: أنها تمر عليها حال كونها رطبة، وقد أصابها المطر، والله أعلم.