البخاري (٤٠٥)، ويأتي تخريجه تحت الحديث رقم (٣٩٠)]، فكيف يجوِّز البصق تحت القدم في المسجد أو في الثوب، ثم يأتيه جبريل ليأمره بخلع نعليه؛ لأن فيهما ما هو في حكم البصاق والمخاط من الطاهرات.
• وقد استدل بحديث أبي سعيد هذا على:
١ - الحث على صيانة المساجد من النجاسات والقاذورات.
٢ - وضع النعلين على يسار المصلي إذا كان إمامًا أو منفردًا ليس على يساره أحد، فإن كان مأمومًا فلا يؤذ بهما أحدًا، وليجعلهما بين رجليه؛ كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
٣ - أن ما كان من باب التروك فيسقط بالجهل والنسيان، وما كان من باب المأمورات فلا يسقط بالجهل والنسيان.
٤ - أن من صلى وفي ثيابه نجاسة، أو على بدنه، أو في مكان صلاته، ناسيًا أو جاهلًا: صحت صلاته، ولا إعادة عليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنى على صلاته ولم يستأنف.
٥ - فيه دليل على عدم شرطية طهارة البدن والثوب والبقعة من النجاسة في الصلاة، وإنما غاية الأدلة فيه الوجوب فقط، إذ لو كانت شرطًا لما بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صلاته التي صلاها وفي نعليه نجاسة، ولاستأنف الصلاة، إذ من المعلوم أنه إذا انتفى الشرط انتفى المشروط.
٦ - جواز الفعل في الصلاة إذا كان لحاجة، وأن ذلك لا يبطلها.
٧ - استدل به بعضهم بقولهم: "خلعت فخلعنا"، على وجوب الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله المطلقة المجردة عن القرائن الدالة على حكم ذلك الفعل، كما قال في مراقي السعود:
وكل ما الصفة فيه تجهلُ ... فللوجوب في الأصح يجعلُ
أي: ما كان من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - مجهول الصفة؛ أي: الحكم؛ فإنه يحمل على الوجوب، وقالوا: لو كان الفعل الذي لم يعلم حكمه لا يدل على الوجوب؛ لبين لهم - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يلزم من خلع نعله أن يخلعوا، ولكنه أقرهم على خلع نعالهم، ولم ينكر عليهم، فدل ذلك على لزوم التأسي به في أفعاله المجردة عن القرائن.
قلت: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لم خلعتم نعالكم؟ " ما يومئ بالإنكار عليهم، ثم علل لهم خلعه نعليه بأن فيهما خبثًا، والجمهور على أن الأفعال المجردة عن القرائن لا تدل على الوجوب بل غايتها الاستحباب، والله أعلم.
هذه بعض فوائد الحديث، وتتبعها يطول، الله أعلم.
***