على العباد التي لا يجب على المكلف غيرها: خمس فقط، فإن هذا الأعرابي قدم في آخر حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد رجح طائفة أنه ضمام بن ثعلبة كما في حديث أنس وابن عباس-، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما افترض الله عليه من الصلاة؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات في اليوم والليلة"، فقال الأعرابي سائلًا مستثبتًا: هل عليَّ غيرهن؟ فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بجواب قاطع فاصل في محل النزاع:"لا إلا أن تطوع".
فدل ذلك على أن ما سوى هذه الخمس: تطوع، وليس بفرض.
• ومن أبين الأدلة على ذلك أيضًا: حديث الإسراء ففي رواية أنس، عن أبي ذر:"هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لديَّ" [البخاري (٣٤٩ و ٣٣٤٢)، مسلم (١٦٣)]، وفي رواية أنس عن مالك بن صعصعة:"أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي" [البخاري (٣٢٠٧ و ٣٨٨٧)، مسلم (١٦٤)].
وهو من أقوى الأدلة وأبينها على استقرار الصلاة المفروضة على العباد على هذا العدد، فلا يقبل الزيادة ولا النقصان، ولا يحتمل معه قول القائل بوجوب صلاة الوتر أو الضحى أو غيرهما؛ بحجة أنها أوامر، وأنها زيدت بعد الأوامر الحاصرة للصلوات المفروضة في خمس فقط فوجب قبولها، زعموا! وهذا زعم باطل لهذا الحديث:"لا يبدل القول لديَّ" فلو زاد سادسة لكان -تعالى وتقدس- مبدلًا لقوله؛ وحاشاه -سبحانه وتعالى-، ولو زاد سادسة لكان ذلك تكليفًا زائدًا على عباده منافيًا لقوله تعالى:"وخففت عن عبادي"، والله أعلم.
قال ابن نصر في كتاب الوتر (ص ٢٦٩ - مختصره): "افترض الله الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته أول ما افترض ليلة أسري به خمس صلوات في اليوم والليلة، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك أمته، ثم لم يزل بعد هجرته وقدوم المدينة ونزول الفرائض عليه فريضة بعد فريضة من الزكاة والصيام والحج والجهاد يخبر بمثل ذلك، إلى أن توفي صلوات الله وسلامه عليه، وقدمت عليه وفود العرب بعد فتحه مكة، ورجوعه إلى المدينة، وذلك في سنة تسع وعشر، من البادية ونواحيها يسألونه عن الفرائض يخبرهم في كل ذلك: أن عدد الصلوات المفترضات: خمس.
ووجه معاذ بن جبل - رضي الله عنه - إلى اليمن، وذلك قبل وفاته بقليل فأمر أن يخبرهم بأن فرض الصلوات: خمس.
ثم آخر ما خطب بذلك في حجة الوداع فأخبرهم أن عدد الصلوات المفترضات خمس لا أكثر من ذلك.
وفيها نزلت:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}[المائدة: ٣]، ثم لم ينزل بعد ذلك فريضة ولا حرام ولا حلال، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمات بعد رجوعه بأقل من ثلاثة أشهر ... "، إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى.
وقال ابن المنذر في الأوسط (٥/ ١٦٧): "فدلت هذه الأخبار وما لم نذكره من