دخل الجنة -وأبيه- إن صدق)، وهذه لفظة -إن صحت- فهي منسوخة، لنهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الحلف بالآباء، وبغير الله، ... ".
قلت: لم تصح هذه اللفظة في هذا الحديث، وهي لفظة شاذة، مخالفة لما رواه إمام الحفاظ: مالك بن أنس، تعمد البخاري حذفها من حديث إسماعيل بن جعفر، وأشار مسلم إلى إعلالها، ولذلك فلسنا بحاجة إلى تأويلها، وتكلف القول في معناها [وانظر في تأويلها: سنن البيهقي (١٠/ ٢٩)، النهاية (١/ ١٩)، شرح مسلم للنووي (١/ ١٦٨) و (١١/ ١٠٥)، طرح التثريب (٧/ ١٣٤)، فتح الباري (١/ ١٠٧)، نيل الأوطار (١/ ٣٦٣) و (٩/ ١٢٤)].
وقد جزم ابن عبد البر نفسه قبل ذلك بكونها غير محفوظة، فقال في التمهيد (٥/ ٣٩٣): "والحلف بالمخلوقات كلها في حكم الحلف بالآباء لا يجوز شيء من ذلك، فإن احتج محتج بحديث يروى عن إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل نافع بن مالك، ... [فذكره ثم قال:] قيل له: هذه لفظة غير محفوظة في هذا الحديث من حديث من يحتج به، وقد روى هذا الحديث: مالك وغيره عن أبي سهيل؛ لم يقولوا ذلك فيه، وقد روي عن إسماعيل بن جعفر هذا الحديث، وفيه "أفلح -والله- إن صدق، أو: دخل الجنة -والله- إن صدق"، وهذه أولى من رواية من روى:"وأبيه" لأنها لفظة منكرة تردها الآثار الصحاح، وبالله التوفيق".
وقد أطال العلامة الألباني في ضعيفته (١٠/ ٢/ ٧٥٥ - ٧٦٤) رقم (٤٩٩٢)، أطال النفس في رد هذه الزيادة، وبيان شذوذها ومما احتج به أيضًا: أن هذه القصة وردت من حديث أنس وابن عباس وأبي هريرة، ولم تأت هذه الزيادة من شيء منها، لا سيما حديث أنس عند مسلم (١٢)، والذي أتى به بعد حديث طلحة مباشرة، وفي آخره: "لئن صدق ليدخلن الجنة".
وكان مما قال الألباني -رحمه الله تعالى-: "ثم إنه قد بدا لي شيء آخر أكد لي نكارة الزيادة في حديث طلحة خاصة، ألا وهو: أنه بينما نرى الأعرابي السائل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام يحلف بالله دون سواه، إذا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - يحلف بأبيه كما تقول الزيادة! فهذه المقابلة مستنكرة عندي مهما قيل في تأويل هذه الزيادة، والله أعلم".
ولفظ حديث إسماعيل بن جعفر عند البخاري: أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله! أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة؟ فقال: "الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا"، فقال: أخبرني ما فرض الله عليَّ من الصيام؟ فقال: "شهر رمضان إلا أن تطوع شيئًا"، فقال: أخبرني بما فرض الله عليَّ من الزكاة؟ فقال: فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرائع الإسلام. قال: والذي أكرمك، لا أتطوع شيئًا، ولا أنقص مما فرض الله عليَّ شيئًا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفلح إن صدق" أو: "دخل الجنة إن صدق".
• وهذا الحديث من أقوى الحجج الدامغة في كون الصلوات المفروضات الواجبات