ثم قال: "وحديث سليمان التيمي وجعفر بن إياس: أولى [أشبه] بالصواب من حديث مصعب بن شيبة، ومصعب بن شيبة: منكر الحديث".
وقال الدارقطني في السنن بعد حديث مصعب: "تفرد به مصعب بن شيبة، وخالفه أبو بشر وسليمان التيمي، فروياه عن طلق بن حبيب قوله غير مرفوع".
وقال في التتبع (٣٣٩): "وأخرجا جميعًا: حديث مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن ابن الزبير، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عشر من الفطرة". قال أبو الحسن: خالفه رجلان حافظان: سليمان وأبو بشر، روياه عن طلق بن حبيب من قوله، قاله معتمر عن أبيه، وأبو عوانة عن أبي بشر، ومصعب: منكر الحديث. قاله النسائي".
قلت: الحديث انفرد به مسلم، والبخاري لم يخرج شيئًا لمصعب.
وقال في العلل (١٤/ ٨٩/ ٣٤٤٣): "وخالفه سليمان التيمي، وأبو بشر جعفر بن إياس، فروياه عن طلق بن حبيب، قال: كان يقال: عشر من الفطرة، وهما أثبت من مصعب بن شيبة، وأصح حديثًا".
وقال العقيلي: "والفطرة يروي بإسناد صالح من هذا الإسناد ودون العدد الذي ذكرناه".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢١/ ٦٥): "روت عائشة وأبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عشر من الفطرة. . ."، وفي إسناديهما مقال، وكذلك حديث عمار بن ياسر في ذلك أيضًا، وأحسن ذلك: ما حدثناه. . . " ثم أسند حديث عائشة من طريق أبي داود.
ولا شك أن كلام النسائي والدارقطني جارٍ على الأصول؛ فإن التيمي وابن أبي وحشية أحفظ بكثير؛ بل لا مقارنة بينهما وبين مصعب بن شيبة في الحفظ والضبط وكثرة الحديث، بل لو خالفه أحدهما لقدمت روايته عليه؛ فكيف وقد تابع الحافظَ حافظٌ مثله! في مقابلة من لا يعتمد على حفظه لضعفه، وقد تفرد بل خالف.
هذا ما يجعل النفس تطمئن إلى تصويب الرواية المقطوعة وأنها هي المحفوظة، وأن مصعبًا قد أخطأ في وصله ورفعه، إذ لا يقبل من مثله زيادة، أو تفرد عن مشهور؛ فضلًا عن أن تقبل زيادته إذا خالف من هو أحفظ منه وأتقن وأعلم بالحديث.
• وأما قول الترمذي: "هذا حديث حسن"، فهو جار على أصله -من جهة المتن-، فإن هذا المتن مروي من غير وجه كما سيأتي، ولا يستقيم هذا الحكم على حسب اصطلاحه في الحسن -من جهة الإسناد- فإنه شاذ كما رأيت، وقد اشترط أن لا يكون الحسن عنده شاذًا.
• وأما اخراج مسلم لهذا الحديث فإنه ينظر فيه من وجوه:
الأول: أن الإمام مسلم رحمه الله تعالى أخَّر هذا الحديث عن موضعه اللائق به، فالنووي في تقسيمه وتبويبه لأحاديث كتاب الطهارة من صحيح مسلم: بوَّب بابًا وترجمه بقوله: "باب: خصال الفطرة"، ثم حصر تحته خمسة أحاديث: بدأها مسلم بحديث أبي