هريرة المتفق عليه [البخاري (٥٨٨٩ و ٥٨٩١ و ٦٢٩٧)، مسلم (٢٥٧)]: "الفطرة خمس. . ."، ثم أتبعه بحديث أنس (٢٥٨) في توقيت قص الشارب وغيره، ثم ثلَّث بحديث ابن عمر المتفق عليه [البخاري (٥٨٩٢ و ٥٨٩٣)، مسلم (٢٥٩)، في الأمر بإعفاء اللحية وإحفاء الشارب، ثم أتبعه بحديث أبي هريرة بمعنى حديث ابن عمر (٢٦٠).
ثم جاء دور هذا الحديث -حديث عائشة- متأخرًا خاتمًا به الباب ليكون متنه جامعًا للمعاني المتقدمة؛ لكنه لما لم يكن في القوة والصحة وامكان الاعتماد عليه في الاحتجاج به بمجرده لم يقدمه في الباب، ولم يقرنه بحديث أبي هريرة، كما هو معلوم من طريقته في جمع أحاديث الباب وإتباع بعضها بعضًا، فربما يكون المراد من تأخيره الإشارة إلى علة فيه، أو أنه ليس بموضع للاحتجاج به، لكن مثله يصلح في الشواهد لا سيما وقد روى من غير وجه، والله أعلم.
الثاني: ذكر الزيلعي علتي الحديث: الكلام في مصعب، ومخالفة التيمي وأبي بشر له، ثم قال: "ولم يلتفت مسلم إليها؛ لأن مصعبًا عنده ثقة، والثقة إذا وصل حديثًا يقدم وصله على الإرسال" [نصب الراية (١/ ٧٦)].
وكلامه محتمل، وذلك لأن مسلمًا أخرج لمصعب في صحيحه ثلاثة أحاديث:
هذا أحدها.
والثاني: حديث عائشة: أن امرأة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء؟. . . الحديث (٣١٤)، وهذا لم ينفرد به مصعب بل توبع عليه، وأصله متفق عليه [البخاري (١٣٥)، مسلم (٣١٣)، من حديث أم سلمة.
والثالث: حديث عائشة قالت: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة وعليه مِرطٌ مُرحَّل من شعر أسود (٢٠٨١ و ٢٤٢٤)، وهذا قد رُوي معناه وما يشهد له من وجوه أخر.
وعلى هذا فإن مسلمًا لم يخرج لمصعب حديثًا انفرد بأصله، بل ما توبع عليه في الجملة، وإن كان من جهة المعنى.
ولذلك فإنه لم يخرج له حديث: "كان يأمر بالغسل من الجنابة، والحجامة، ومن غسل الميت، ويوم الجمعة"؛ لظهور ضعفه وانفراده بأصله، فلا أعلم يُروى الغسل من الحجامة إلا من طريقه.
والثالث: أن مصعب بن شيبة وإن كان قد تكلم فيه وضعفه بعضهم، إلا أن هناك من وثقه ممن يعتبر بتوثيقه كابن معين، ووثقه أيضًا العجلي، فلا يبعد -احتمالًا- أنه كان ثقة عند مسلم، أو أنه انتقى من مروياته ما صح عنده، لذا قال الذهبي في التاريخ (٧/ ٤٧١): "احتج به مسلم".
والرابع: أن لحديث عائشة شواهد فيما رواه عبد اللَّه بن عباس وعمار بن ياسر، وكذلك حديث أبي هريرة وإن اقتصر على خمس خصال فقط، وتأتي.
قال ابن حجر في الفتح (١٠/ ٣٥٠): "ورجح النسائي الرواية المقطوعة على