هكذا رواه إسماعيل ابن علية، فأبهم الواسطة بين أيوب وأنس، ولم يرفعه.
وابن علية: من أثبت الناس في أيوب، بل قدمه بعضهم في أيوب على حماد بن زيد [انظر: شرح العلل (٢/ ٧٠٠)]، وأما حماد بن سلمة: فقد ذكر مسلم في التمييز (٢١٨) (١٥/ أ) أن حمادًا يخطئ كثيرًا في حديث أيوب، وأن ابن علية أثبت منه فيه.
وعليه: فالمحفوظ: ما رواه ابن علية، غير مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإسناده ضعيف؛ لأجل الرجل المبهم، ولو كان هو أبا قلابة لصاح به ابن علية؛ فإنه أحفظ أهل البصرة، وأثبت الناس في أيوب [على قولٍ]. وأما حماد بن سلمة فقد سلك فيه الجادة والطريق السهل، ومسلم مع كونه يحتج بحماد إلا أنه لم يخرج له شيئًا بهذه السلسلة -أيوب عن أبي قلابة عن أنس-، وأكثر ما احتج به إنما هو في روايته عن ثابت وحميد خاصة، وإن كان يروي له عن غيرهما؛ إلا أن أكثره في المتابعات، والله أعلم.
• قال البخاري في صحيحه [٨ - كتاب الصلاة، ٦٢ - باب بنيان المسجد، قبل الحديث رقم (٤٤٦)]: "وقال أنس: يتباهون بها، ثم لا يعمرونها إلا قليلًا".
هكذا علقه البخاري بصيغة الجزم، موقوفًا على أنس، ولعله أراد بذلك رواية ابن علية المتقدمة.
• وأما ما رواه سعيد بن عامر الضبعي، عن أبي عامر صالح بن رستم الخزاز، قال: قال أبو قلابة الجرمي: غدونا مع أنس بن مالك إلى الزاوية، فحضرت صلاة الصبح، فمررنا بمسجد، فقال أنس: لو صلينا في هذا المسجد! فقال بعض القوم: حتى نأتي المسجد الآخر، فقال أنس: أيُّ مسجد؟ قالوا: مسجد أُحدِث الآن، فقال أنس: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيأتي على أمتي زمان يتباهون في المساجد، ولا يعمرونها إلا قليلًا".
أخرجه ابن خزيمة (٢/ ٢٨١/ ١٣٢١)، والضياء في المختارة (٦/ ٢٢٤/ ٢٢٣٩)، والطبراني في الأوسط (٧/ ٣٠١/ ٧٥٥٩) بدون القصة، وفيه: "يتباهون بكثرة المساجد".
والبغوي في شرح السنة (٢/ ١١٣ - ١١٤/ ٤٦٧)، وابن حجر في التغليق (٢/ ٢٣٦).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي عامر الخزاز إلا سعيد بن عامر".
قلت: لم ينفرد به -وهو: صدوق-، بل تابعه عليه: يونس بن بكير [صدوق يخطئ] فرواه عن صالح بن رستم به نحوه.
أخرجه أبو يعلى (٥/ ١٩٩/ ٢٨١٧)، ومن طريقه: ابن حجر في التغليق (٢/ ٢٣٦).
ورواية أيوب السختياني -الثقة الحافظ الثبت، الفقيه الإمام-: أولى بالصواب، من رواية أبي عامر الخزاز، من جهتين:
الأولى: أن صالح بن رستم أبا عامر الخزاز: ليس بالقوي، فقد وثقه: أبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، والبزار، وابن حبان، وأبو نعيم، ومشَّاه: أبو حاتم، والعجلي، وابن عدي، وضعفه: ابن معين، وابن المديني، واختلفت الرواية عن أحمد: فقال الأثرم عنه: "صالح الحديث"، وروى المرُّوذي عنه أنه ليَّن أمره، وقال في عباد بن صهيب: