فلم يُكَلِّمْهم كلمةً حتى أتى بيت مِدْرَاسِهِم، فقام على الباب، فقال:"أنشُدُكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى! ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أَحصَن؟ " قالوا: يُحَمَّمُ ويُجَبَّهُ ويجلد، والتَّجْبِيهُ: أن يحمل الزانيان على حمارٍ، وتُقابل أقفِيَتُهما، ويطاف بهما، قال: وسكت شابٌّ منهم، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - سكت ألَظَّ به النِّشدةَ، فقال: اللهم إذ نشدتنا؟ فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فما أولُ ما ارْتَخَصْتُم أمرَ الله؟ " قال: زنى ذو قرابةٍ من ملكٍ من ملوكنا، فأخَّر عنه الرجم، ثم زنى رجلٌ في أسرةٍ من الناس، فأراد رجمه، فحال قومُه دونه، وقالوا: لا يُرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإني أحكم بما في التوراة" فأمر بهما فرُجِما.
قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا}[المائدة: ٤٤] كان النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم.
وأعاده بنفس إسناده مختصرًا في (٢٣) كتاب الأقضية، (٢٧) باب كيف يحلف الذمي، برقم (٣٦٢٤)، مقتصرًا منه على قوله - صلى الله عليه وسلم - لليهود:"أنشُدُكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى! ما تجدون في التوراة على من زنى؟ ".
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (٧/ ١٨٢ و ٣١٦/ ١٢٦٩٤ و ١٣٣٣٠)، وفي التفسير (١/ ١٨٩)، وعنه أو من طريقه، مطولًا ومختصرًا:
أحمد (٢/ ٢٧٩ - ٢٨٠) [في سنده سقط، وانظر: الإتحاف (١٦/ ١/ ٣١١/ ٢٠٨٣٧)]. وابن جرير الطبري في تفسيره (٤/ ٥٨٩/ ١٢٠١٣)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٤/ ١١٣٨/ ٦٤٠١)، والبيهقي (٢/ ٤٤٤)، والواحدي في أسباب النزول (٢٢٢).
• ورواه عبد الله بن المبارك قال: حدثنا معمر، عن الزهري، قال: كنت جالسًا عند سعيد بن المسيب، وعند سعيدٍ رجلٌ وهو يوقِّره، فإذا هو رجلٌ من مزينة، وكان أبوه شهد الحديبية، وكان من أصحاب أبي هريرة، قال: قال أبو هريرة: كنت جالسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ جاء نفرٌ من يهود، وقد زنا رجل منهم وامرأةٌ، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبيِّ؛ فإنه نبيٌّ بعث بالتخفيف، فإن أفتانا حدًّا دون الرجم فعلناه، واحتججنا عند الله حين نلقاه بتصديق نبيٍّ من أنبيائك، قال مرة عن الزهري: وإن أمرنا بالرجم عصيناه؛ فقد عصينا الله فيما كتب علينا من الرجم في التوراة -فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالسٌ في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم! ما ترى في رجل منا زنا بعد ما أحصن؟ فقام رسول الله ولم يرجع إليهم شيئًا، وقام معه رجلانِ من المسلمين حتى [أتى] بيتَ مِدراس اليهود، فوجدهم يتدارسون التوراة، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر اليهود! أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى! ما تجدون في التوراة من العقوبة على من زنا إذا أحصن؟ " قالوا: نجبِّه، -والتجبيه أن يحملوا اثنين على حمارٍ، فيولوا ظهر أحدهما ظهر الآخر-، قال: فسكت حبرُهم، وهو فتًى شاب، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامتًا ألظَّ