للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بين المقبرة الجديدة والقديمة، وبين أن يكون هناك حائل أو لا يكون، والتعليل بهذا ليس مذكورًا في الحديث، ولم يدل عليه الحديث لا نصًّا ولا ظاهرًا، وإنما هي علة ظنوها، والعلة الصحيحة عند غيرهم: ما ذكره غير واحد من العلماء من السلف والخلف في زمن مالك والشافعي وأحمد وغيرهم: إنما هو ما في ذلك من التشبه بالمشركين، وأن تصير ذريعة إلى الشرك، ولهذا نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، وقال: "إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك التصاوير"، وقال: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد"، ونهى عن الصلاة إليها، ومعلوم أن النهي لو لم يكن إلا لأجل النجاسة: فمقابر الأنبياء لا تنتن، بل الأنبياء لا يبلون، وتراب قبورهم طاهر، والنجاسة أمام المصلي لا تبطل صلاته، والذين كانوا يتخذون القبور مساجد كانوا يفرشون عند القبور المفارش الطاهرة، فلا يلاقون النجاسة، ومع أن الذين يعللون بالنجاسة لا ينفون هذه العلة: بل قد ذكر الشافعي وغيره النهي عن اتخاذ المساجد على القبور، وعلل ذلك بخشية التشبه بذلك، وقد نص على النهى عن بناء المساجد على القبور غير واحد من علماء المذاهب من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، ومن فقهاء الكوفة أيضًا، وصرح غير واحد منهم بتحريم ذلك، وهذا لا ريب فيه بعد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومبالغته في النهى عن ذلك".

وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان (١/ ١٨٧): "فروى مسلم في صحيحه، عن أبي مرثد الغنوي رحمه الله، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها" وفي هذا إبطال قول من زعم أن النهي عن الصلاة فيها لأجل النجاسة؛ فهذا أبعد شيء عن مقاصد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو باطل من عدة أوجه:

منها: أن الأحاديث كلها ليس فيها فرق بين المقبرة الحديثة والمنبوشة، كما يقوله المعللون بالنجاسة.

ومنها: أنه لعن اليهود والنصارى على اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد، ومعلوم قطعًا أن هذا ليس لأجل النجاسة؛ فإن ذلك لا يختص بقبور الأنبياء، ولأن قبور الأنبياء من أطهر البقاع، وليس للنجاسة عليها طريق البتة، فإن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، فهم في قبورهم طريُّون.

ومنها: أنه نهى عن الصلاة إليها.

ومنها: أنه أخبر أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام، ولو كان ذلك لأجل النجاسة لكان ذِكر الحشوش والمجازر ونحوها أولى من ذكر القبور.

ومنها: أن موضع مسجده كان مقبرة للمشركين، فنبَشَ قبورَهم وسوَّاها، واتخذه مسجدًا، ولم ينقل ذلك التراب، بل سوى الأرض ومهدها، وصلى فيه، كما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك. . ." وذكر الحديث.

وقال (١/ ١٨٩): "وبالجملة: فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وفهم عن

<<  <  ج: ص:  >  >>