عَمَدْتُ إلى تأذين صلاة الصبح، حتَّى إذا صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خرجت للبقيع، فجعلت أصبعي في أذني، فناديت: من كان يطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينًا، فليحضر، فما زلت أبيع وأقضي، وأعرض فأقضي، حتَّى إذا فضل في يدي أوقيتان، أو: أوقية ونصف، انطلقت إلى المسجد، وقد ذهب عامة النهار، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في المسجد ... "، وهذا ظاهر في أن بلالًا إنما وضع إصبعيه في أذنيه بعد فراغه من الأذان وصلاة الفجر، حين ذهب إلى البقيع فنادى من كان له دين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكي يحضر لاستيفاء دينه، ولم يفعل ذلك حال أذانه.
وبمثله وقع في المعجم الكبير للطبراني (١/ ٣٦٣/ ١١١٩).
لكن هذا اللفظ الَّذي ذكره ابن حجر إنما وقع عند الطبراني في مسند الشاميين (٤/ ١١٠/ ٢٨٦٩)، ولفظ موضع الشاهد: " ... ثم قمت إلى تأذيني لصلاة الصبح، حتَّى إذا صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خرجت إلى البقيع، فجعلت إصبعي في أذني، فأذنت فناديت، فقلت: من كان يطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدين؛ فليحضر ... "، ومن هنا يظهر بجلاء أن اقتطاع هذه الجملة "فجعلت إصبعي في أذني فاذنت" خارج سياقها، يعطيها معنى مختلفًا تمامًا، كما أراد ناقلها، بخلاف ما سيقت له، هذا على فرض ثبوت هذه الزيادة: "فأذنت"، والحقيقة أنها لا تثبت، فقد روى الطبراني هذا الحديث في المعجم الكبير (١/ ٣٦٣/ ١١١٩)، وفي المعجم الأوسط (١/ ١٤٧/ ٤٦٦)، وفي مسند الشاميين (٤/ ١١٠ / ٢٨٦٩)، قال: حدثنا أحمد بن خليد الحلبي: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع: حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، أنَّه سمع أبا سلام، قال: حدثني عبد الله الهوزني، قال: لقيت بلالًا - مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا بلال! حدثني كيف كانت نفقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . . وساق الحديث بطوله، وقال في موضع الشاهد: " ... ثم قمت إلى تأذيني صلاة الصبح، حتَّى إذا صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خرجت إلى البقيع، فجعلت إصبعي في أذني، فناديت فقلت: من كان يطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدين؛ فليحضر، فما زلت أبيع وأقضي، حتَّى لم يَبْقَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينٌ في الأرض ... " هكذا بنفس هذا الإسناد إلا أنَّه زاد في مسند الشاميين كلمة: "فأذنت"، وقد رواه من طريق الطبراني فلم يذكر هذه الكلمة: ابن عساكر في تاريخ دمشق (٤/ ٣١٦).
وممن تابع أحمد بن خليد الحلبي [وهو: ثقة. مختصر تاريخ دمشق (٣/ ٩٣)، الثقات (٨/ ٥٣)، السير (١٣/ ٤٨٩)، تاريخ الإسلام (٢١/ ٥٦)، مجمع الزوائد (٨/ ٢١٠)]، على هذا الحديث، عن أبي توبة الربيع بن نافع به، فلم يذكر هذه الكلمة: أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي [الإمام الحافظ الناقد، المتقن الثَّبت، شيخ المحدثين، إمام علم العلل. التهذيب (٣/ ٥٠٠)، السير (١٣/ ٢٤٧)]، والفضيل بن عبد الله [لم أقف على ترجمته]، ومحمد بن عيسى التميمي [هو: محمد بن عيسى بن الحسن بن إسحاق، أبو عبد الله، التميمي البغدادي، المعروف بابن العلاف، حدث بدمشق ومصر وحلب وطرسوس، روى عنه جماعة، ولم أر فيه جرحًا ولا تعديلًا. تاريخ بغداد (٢/ ٤٠٥)، تاريخ دمشق (٥٥/ ٦١)].