قال ابن رجب في الفتح (٣/ ٥٩٤): "مقصود البخاري بهذا الباب: أنَّه يجوز لمن كان في المسجد بعد الأذان أو بعد الإقامة أن يخرج منه لعذر.
والعذر نوعان:
أحدهما: ما يحتاج إلى الخروج معه من المسجد، ثم يعود لإدراك الصلاة فيه، مثل أن يذكر أنَّه على غير طهارة، أو ينتقض وضوؤه حينئذ، أو يدافعه الأخبثان، فيخرج للطهارة، ثم يعود فيلحق الصلاة في المسجد، وعلى هذا: دل حديث أبي هريرة المخرج في هذا الباب.
والثاني: أن يكون العذر مانعًا من الصلاة في المسجد كبدعة إمامه ونحوه، فيجوز الخروج منه أيضًا للصلاة في غيره، كما فعل ابن عمر - رضي الله عنه - ثم ذكر حديث أبي داود الآتي بعد حديث [برقم (٥٣٨)]، ثم قال: وقد استدل طائفة من أصحابنا بهذا الحديث، وأخذوا به.
وأما الخروج بعد الأذان لغير عذر، فمنهي عنه عند أكثر العلماء، قال سعد بن أبي وقاص وسعيد بن المسيب: إذا أذن المؤذن وأنت في المسجد، فلا تخرج حتَّى تصلي. قال ابن المسيب: يقال: لا يفعله إلا منافق. قال: وبلغنا أن من خرج بين الأذان والإقامة لغير الوضوء أنَّه سيصاب. ذكره مالك في الموطأ عنه. قال أصحابنا: لا يجوز ذلك. وقال أصحاب الشافعي: هو مكروه ثم نقل كلام الترمذي، ثم قال: والمروي عن إبراهيم في هذا: ما رواه مغيرة، عن إبراهيم، قال: إذا سمعت الإقامة وأنت في المسجد فلا تخرج. فمفهومه: جواز الخروج قبل الإقامة. وقد حمله الترمذي على العذر، ويشهد لذلك: ما رواه وكيع، عن عقبة أبي المغيرة، قال: دخلنا مسجد إبراهيم وقد صلينا العصر، وأذن المؤذن، فأردنا أن نخرج، فقال إبراهيم: صلوا.
وقد دل على النهي عن ذلك ما روى أبو الشعثاء ... ثم ذكر حديث الباب، ثم قال: وهذا كلُّه إذا أذن المؤذن في وقت الصلاة، فإذا أذن قبل الوقت، فإن كان لغير الفجر فلا عبرة بهذا الأذان؛ لأنَّه غير مشروع، وإن كان للفجر فيجوز الخروج من المسجد بعد الأذان قبل طلوع الفجر للمؤذن، نصَّ عليه الإمام أحمد.
وغير المؤذن في معناه؛ فإن حكم المؤذن في الخروج بعد الأذان من المسجد كحكم غيره في النهي عند أكثر العلماء، ونص عليه أحمد، وإسحاق، وقال: لا نعلم أحدًا من السلف فعل خلاف ذلك.
ورخص فقهاء أهل الكوفة، منهم: سفيان وغيره في أن يخرج المؤذن من المسجد بعد أذانه للأكل في بيته".
وانظر: المحلى (٣/ ١٤٧)، التمهيد (٢٤/ ٢١٣)، شرح مسلم للنووي (٥/ ١٥٧)، المجموع (٢/ ٢٠٥)، وغيرها.