جاء ابن أم مكتوم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن المدينة أرض هوامٍّ وسباع، فهل لي رخصة أن أصلي العشاء والفجر في بيتي؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أتسمع حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح" قال: فقال: نعم، قال: "فحيَّ هلًا".
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (١/ ٣٠٣ - ٣٠٤/ ٣٤٧٣).
قلت: فضحت روايةُ أبي أسامة الظاهرة الإرسال: روايةَ ابن أبي الزرقاء والقاسم الموهمة للاتصال، فإن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يدرك عمر، فضلًا عن ابن أم مكتوم، ورواية أبي أسامة عندي هي الصواب؛ فهو أحفظ الثلاثة، وهي الموافقة لحقيقة الحال [انظر: المراسيل (٤٥٠ - ٤٥٤)، جامع التحصيل (٤٥٢)، تحفة التحصيل (٢٠٤)].
قال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (٢/ ٥٥١/ ٥٥٤): "وأما الرواية الأخرى: فيرويها عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن أم مكتوم، وسنه لا تقتضي له السماع منه، فإنه ولد لست بقين من خلافة عمر"، وكان قال قبلُ: "وابن أم مكتوم، قتل بالقادسية أيام عمر".
• ومما يؤكد كون الرواية المرسلة هي المحفوظة: رواية عمرو بن مرة:
فقد روى أبو داود، وعلي بن الجعد:
عن شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت ابن أبي ليلى، يقول: كان منا رجل ضرير البصر، فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! إن بيني وبين المسجد نخلًا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتسمع النداء؟ " قال: نعم، قال: "فإذا سمعت النداء فأجبه". لفظ أبي داود.
أخرجه أبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (٧٣)، والطحاوي في المشكل (١٣/ ٨٨/ ٥٠٩٠) و (١٥/ ١٠٩/ ٥٨٧٧)، وفي أحكام القرآن (٢٢٠).
وانظر: أطراف الغرائب والأفراد (٤/ ٣٥٥/ ٤٤٦٨).
قال الطحاوي: "غير أنا تأملنا هذا الحديث فوجدنا ابن أبي ليلى يقول فيه: كان منا رجل ضرير البصر، وابن أبي ليلى من الأنصار، وابن أم مكتوم فمن قريش، فاحتمل أن يكون ذلك على رجل من الأنصار، فيكون ما في حديثه هذا غير ما في الحديث الأول، فيكون كل واحد من الرجلين المذكورين فيهما غير الآخر".
قلت: لا يسلم له ذلك، فإنه لفظ محتمل للتأويل، وروايات الحديث وطرقه ترده، ففي لفظ علي بن الجعد: أن رجلًا منهم كان ضريرًا، والله أعلم.
فبقي أن رواية عمرو بن مرة متابعة لرواية عبد الرحمن بن عابس [من طريق أبي أسامة، عن الثوري عنه]، فالحديث إنما هو: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: مرسل.
• وقد وهم في هذا الحديث على عمرو بن مرة، وعلى أبي رزين:
أبو سنان سعيد بن سنان [الشيباني الكوفي، صدوق له أوهام. التقريب (٢٢٨)]، فرواه عن عمرو بن مرة: حدثني أبو رزين، عن أبي هريرة، قال: جاء ابن أم مكتوم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رجل ضرير [البصر]، شاسع الدار، وليس لي قائد يلاومني، فهل لي رخصة أن لا آتي المسجد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا".