معاذ، فقال: لا أجده على حالٍ أبدًا إلا كنتُ عليها، ثم قضيتُ ما سبقني، قال: فجاء وقد سبقه النبي - صلى الله عليه وسلم - ببعضها، قال: فثبت معه، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته، قام فقضى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه قد سنَّ لكم معاذ، فهكذا فاصنعوا"، فهو حديث ضعيف.
وقد جاء القضاء في الكتاب والسنة بمعنى الفعل، مثل قوله سبحانه وتعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}[الجمعة: ١٠]، وقوله سبحانه وتعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا}[النساء: ١٠٣]، وقوله عزَّ وجل:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ}[البقرة: ٢٠٠]، وقوله عزَّ وجل:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}[الحج: ٢٩]، قال الأزهري في تهذيب اللغة (٣/ ٢٩٨٦ - معجمه): "وقضى في اللغة على ضروب، كلها ترجع إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه"، إلى أن قال:"وقضى فلان صلاته، أي: فرغ منها"، وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (٨٩٣): "قضى: القاف والضاد والحرف المعتل: أصل صحيح يدل على إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته" [انظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني (٦٧٤)].
هذا ما دل عليه اللفظ في كلام العرب، لكن الفقهاء اصطلحوا بعد ذلك على التفريق بين الأداء والقضاء في العبادات، على أن الأداء لما فُعِل في وقته، والقضاء لما فُعِل بعد انقضاء وقته وخروجه.
ولهذا غلط كثير من الناس في فهم الخطاب، فحملوا خطاب الشرع على اصطلاحهم وعرفهم الحادث، مثل ما قال بعضهم في الاستدلال على مذهبه بلفظ:"فاقضوا" من هذا الحديث، فقال:"والقضاء إنما يكون لما فات وقته، وانقضى محله"، وكان الأولى أن ينظر في استعمال القرآن والسنة وكلام الصحابة - رضي الله عنهم - لهذه اللفظة، وهل فرقوا بين القضاء والإتمام، أم كانا بمعنى واحد؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١٢/ ١٠٦): "ونظير هذا لفظ القضاء: فإنه في كلام الله وكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - المراد به: إتمام العبادة، وإن كان ذلك في وقتها، كما قال تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}، وقوله {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ}، ثم اصطلح طائفة من الفقهاء فجعلوا لفظ القضاء مختصًا بفعلها في غير وقتها، ولفظ الأداء مختصًا بما يفعل في الوقت، وهذا التفريق لا يعرف قط في كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم يقولون: قد يستعمل لفظ القضاء في الأداء، فيجعلون اللغة التي نزل القرآن بها من النادر.
ولهذا يتنازعون في مراد النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا"، وفي لفظ: "فأتموا" فيظنون أن بين اللفظين خلافًا، وليس الأمر كذلك، بل قوله: "فاقضوا" كقوله: "فأتموا"، لم يرد بأحدهما الفعل بعد الوقت، بل لا يوجد في كلام الشارع أمر بالعبادة في غير وقتها، لكن الوقت وقتان: وقت عام، ووقت خاص لأهل الأعذار، كالنائم والناسي إذا صليا بعد الاستيقاظ والذكر، فإنما صليا في الوقت الذي أمر الله به،