روايتان منصوصتان: أحدهما: هو أول صلاته. والثانية: هو آخرها. وكذلك عن أحمد، ولكن أكثر الروايات عنه: أنه آخر صلاته. وأما مذهب أبي حنيفة وأصحابه، فهو أن ما أدركه مع الإمام آخر صلاته، وما يقضيه أولها. وهو قول الحسن بن حي وسفيان الثوري.
وعلى قول هؤلاء لا إشكال في أنه يقرأ فيما يقضي بالحمد وسورة".
وقال ابن الملقن في البدر المنير (٤/ ٤٠٦): "قال الشيخ تقي الدين في الإلمام (٣٩٣): اختلف في هذه اللفظة، فقيل:"فأتموا" وقيل: "فاقضوا"، وكلاهما صحيح.
قلت: والقضاء في عرف الشرع هو الإتمام، فلا فرق إذًا بينهما، قال الله تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} و {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ}".
• وخلاصة ما تقدم:
أن الذي يظهر لي: أن ما أدرك مع الإمام فهو أول صلاته [لما ذكره ابن المنذر وابن خزيمة]، لكنه يأتي بما فاته من القراءة بالحمد وسورة، وهذا ليس عملًا برواية "فاقضوا" على قول من قال به من الفقهاء، وليس عملًا بقاعدة: إذا أمكن الجمع بين الدليلين جمع، فيكون بانيًا في الأفعال، وقاضيًا في الأقوال، وإنما دل عليه لفظ: "فأتموا"؛ فإن إتمام شيء لا يكون إلا لما فاته منه، ومما فاته قراءة الإمام بفاتحة وسورة، ولا يكون قد أتى بالشيء بتمامه حتى يؤتى بكل ما نقص منه [انظر: شرح ابن بطال (٢/ ٢٦٢)]، هذا من جهة دلالة الحديث اللغوية والشرعية، ومن جهة أخرى فهو عمل وقول صحابي فقيه قد صح عنه، ولا يتعارض مع قول ابن عباس في القراءة بفاتحة الكتاب وسورة فيما أدرك مع الإمام، وهو قول عن علي [لم يصح عنه]، لأنه إذا أمكنه القراءة فيما أدرك مع الإمام يكون قد أتى بصلاته تامة على هيئتها، فلا يقرأ بعد ذلك إلا بفاتحة الكتاب فقط، فإن لم يمكنه القراءة مع الإمام قرأ فيما يقضي بعد سلام الإمام بفاتحة وسورة، ويكون بذلك قد جمع بين قولي الصحابيين، فيما لا يتعارض مع النص.
والقول بقراءة الفاتحة وسورة فيما فاته من صلاة الإمام، هو قول الأئمة الأربعة، وهو مما يزيد هذا القول قوة، مع ما تقدم ذكره من الدليل، والله أعلم.
قال ابن قدامة في المغني (٢/ ١٣٥): "ولا أعلم خلافًا بين الأئمة الأربعة في قراءة الفاتحة وسورة".
وانظر: المدونة (١/ ٩٧)، الأم (١/ ١٧٨)، مسائل إسحاق الكوسج (٤٧٥)، مختصر اختلاف العلماء (١/ ٢٩٣)، أحكام القرآن للجصاص (١/ ٣٩٣)، الحاوي الكبير (٢/ ١٩٤)، شرح صحيح البخاري لابن بطال (٢/ ٢٦٢)، مختصر الخلافيات للبيهقي (٢/ ١٦٦)، الكافي في فقه أهل المدينة (١/ ٤٨)، المبسوط للسرخسي (١/ ٣٥)، بدائع الصنائع (١/ ٢١٨)، البيان شرح المهذب (٢/ ٣٧٩)، كشف المشكل (٢/ ١٤٠)، المغني (٢/ ١٣٤)، المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (٤/ ٢٩٨)، شرح مسلم للنووي (٥/ ١٠٠)، المجموع شرح المهذب (٤/ ١٩٢)، فتح القدير لابن الهمام (٢/ ٦٦)، شرح الزركشي على