للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكذلك ادَّعَوا في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وما فاتكم فاقضوا"، فزعموا أن فيه دلالة على أنه إنما يقضي أول صلاته لا آخرها، وهذا التأويل من تدبر الفقه علم أن هذا التأويل خلاف قول أهل الصلاة جميعًا؛ إذ لو كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - والمغيرة بعد سلام عبد الرحمن بن عوف قضيا الركعة الأولى التي فاتتهما؛ لكانا قد قضيا ركعة بلا جلسة ولا تشهد، إذ الركعة التي فاتتهما وكانت أول صلاة عبد الرحمن بن عوف كانت ركعة بلا جلسة ولا تشهد، وفي اتفاق أهل الصلاة أن المدرك مع الإمام ركعة من صلاة الفجر يقضى ركعة بجلسة وتشهد وسلام ما بان وصح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقض الركعة الأولى التي لا جلوس فيها ولا تشهد ولا سلام، وإنه يقضي الركعة الثانية التي فيها جلوس وتشهد وسلام، ولو كان معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وما فاتكم فاقضوا" معناه: أن اقضوا ما فاتكم، كما ادعاه من خالفنا في هذه المسألة كان على من فاتته ركعة من الصلاة مع الإمام أن يقضي ركعة بقيام وركوع وسجدتين بغير جلوس ولا تشهد ولا سلام، وفي اتفاقهم معنا أنه يقضى ركعة بجلوس وتشهد ما بان وثبت أن الجلوس والتشهد والسلام من حكم الركعة الأخيرة، لا من حكم الأولى، فمن فهم العلم وعقله ولم يكابر علم أن لا تشهد ولا جلوس للتشهد ولا سلام في الركعة الأولى من الصلاة".

وقال الخطابي في المعالم (١/ ١٤٠): "في قوله: "فأتموا" دليل أن الذي أدركه المرء من صلاة إمامه هو أول صلاته؛ لأن لفظ الإتمام واقع على باقٍ من شيء قد تقدم سائره إلى أن قال: "وقد يكون القضاء بمعنى الأداء للأصل، كقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: ١٠]، وكقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: ٢٠٠]، وليس شيء من هذا قضاء لفائت، فيحتمل أن يكون قوله: "وما فاتكم فاقضوا"؛ أي: أدوه في تمام، جمعًا بين قوله: "فأتموا" وبين قوله: "فاقضوا"، ونفيًا للاختلاف بينهما"، وبنحوه قال البغوي في شرح السنة (٢/ ٣٢٠).

وقال النووي في المجموع (٤/ ١٩٢): "قال أصحابنا: فأما رواية "فاقضوا" فجوابها من وجهين: أحدهما: أن رواة "فأتموا" أكثر وأحفظ، والثاني: أن القضاء محمول على الفعل، لا القضاء المعروف في الاصطلاح، لأن هذا اصطلاح متأخري الفقهاء، والعرب تطلق القضاء بمعنى الفعل، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ}، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ}، قال الشيخ أبو حامد: والمراد: وما فاتكم من صلاتكم أنتم، لا من صلاة الإمام، والذي فات المأموم من صلاة نفسه إنما هو آخرها، والله أعلم"، وقال نحوه في شرح مسلم (٥/ ١٠٠).

وقال ابن رجب في الفتح (٣/ ٥٧٣): "وعلى هذا؛ إذا أدرك المسبوق من الرباعية أو المغرب ركعتين، يقرأ فيما يقضي من الركعتين بالحمد وحدها، أو بالحمد وسورة، على قولين: أشهرهما أنه يقضي بالحمد وسورة. وهذا هو المنصوص عن مالك، والشافعي، وأحمد. ونص الشافعي على أن ما أدركه مع الإمام فهو أول صلاته. وعن مالك في ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>