يقال لمن خالفنا: ما تقول في رجل أدرك مع الإمام من المغرب ركعتين؟، فإن زعم أنهما الركعتان الآخرتان، قيل له: فلم أمرته بالجلوس في الركعة التي يقضيها وهي عندك أولى، والأولى لا جلوس فيها؟، وفي أمر كل من نحفظ عنه من أهل العلم بالجلوس في هذه الركعة والتسليم فيها بيان أنها الثالثة، إذ لا جلوس في الأولى من صلاة المغرب ولا تسليم له".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢٠/ ٢٣٥) بعد أن ذكر اختلاف الفقهاء: "وأما السلف - رضي الله عنهم -: فروي عن عمر، وعلي، وأبي الدرداء، بأسانيد ضعاف: ما أدركت فاجعله أول صلاتك [في المطبوعة: آخر صلاتك، وهو خطأ ظاهر].
وثبت عن سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، وعطاء، والزهري، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز: ما أدركت فاجعله أول صلاتك.
والذي يجيء على أصولهم إن لم يثبت عنهم نص في ذلك: ما قاله المزني وإسحاق وداود، وروي عن ابن عمر أنه قال: ما أدركت فاجعله آخر صلاتك، وعن مجاهد وابن سيرين مثل ذلك، ... ".
قال ابن عبد البر: "واحتج القائلون بأن ما أدرك هو أول صلاته بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"، قالوا: والتمام هو الآخر، واحتج الآخرون بقوله:"ما فاتكم فاقضوا"، قالوا: والذي يقضيه هو الفائت.
والحجج متساوية لكلا المذهبين من جهة الأثر والنظر؛ إلا أن رواية من روى:"فأتموا" أكثر.
وأما من جعل ما أدرك مع الإمام أول صلاته فليس يطرد فيه ويستقيم إلا ما قاله ابن أبي سلمة والمزني وإسحاق وداود، والله أعلم، وبه التوفيق والسداد، لا شريك له.
وقد زعم بعض المتأخرين من أصحابنا أن من ذهب مذهب ابن أبي سلمة والمزني في هذه المسألة: أسقط سنة الجهر في صلاة الليل، وسنة السورة مع أم القرآن، وهذا ليس بشيء؛ لأن إمامه قد جاء بذلك، وحصلت صلاته على سنتها في سرها وجهرها، وغير ذلك من أحكامها، وإنما هذا كرجل أحرم والإمام راكع ثم انحنى، فلا يقال له: أسقطت سنة الوقوف والقراءة، وكرجل أدرك مع إمامه ركعة فجلس معه في موضع قيامه أو انفرد، فلا يقال له: أسأت، أو أسقطت شيئًا، وحسبه إذا أتم صلاته أن يأتي بها على سنة آخرها، ولا يضره ما سبقه إمامه في أولها، لأنه مأمور باتباع إمامه، وإنما جعل الإمام ليؤتم به".
وقال ابن خزيمة في الصحيح (٣/ ٨) بعد حديث المغيرة بن شعبة: "هذه اللفظة قد يغلط فيها من لا يتدبر هذه المسألة، ولا يفهم العلم والفقه، زعم بعض من يقول بمذهب العراقيين؛ أن ما أدرك مع الإمام آخر صلاته: أن في هذه اللفظة دلالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمغيرة إنما قضيا الركعة الأولى، لأن عبد الرحمن إنما سبقهما بالأولى لا بالثانية،