وقال أيضًا:"إمامة الأعمى كإمامة البصير لا فرق بينهما، وهما داخلان في ظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"، فأيهم كان أقرأ كان أحق بالإمامة، وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه حديثًا"، ثم ذكر حديث عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف ابن أم مكتوم على المدينة يصلي بالناس، ثم قال:"وإباحة إمامة الأعمى كالإجماع من أهل العلم" [الأوسط (٤/ ١٥٤)].
وقال أيضًا:"إمامة العبد جائزة، وإذا استووا في القراءة فالحر أحق بالإمامة من العبد، وإن كان العبد أقرأ فهو أولى بالإمامة؛ لحديث أبي سعيد"، ثم أسنده ثم قال:"ولم يذكر حرًّا ولا عبدًا، ويدل حديث أبي مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يؤم القوم أقرؤهم" على مثل ما دل عليه حديث أبي سعيد، والله أعلم" [الأوسط (٤/ ١٥٧)].
وقال أيضًا:"اختلف أهل العلم في الرجل يؤم أباه، ... ، وقد ثبت أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يؤم القوم أقرؤهم" يدخل في ذلك الآباء والأبناء" [الأوسط (٤/ ١٦٢)] [وبمثل هذا الذي تقدم من قول ابن المنذر قال ابن خزيمة في صحيحه (٣/ ٤ - ٧ و ١٠٠)].
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (٢/ ٣١٩): "أما العبد، والمولى، وولد البغي، والأعرابي، والصبي الذي لم يحتلم: فإمامتهم جائزة؛ لأنهم كلهم دخلوا في قوله: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"".
وقال البغوي في شرح السنة (٣/ ٣٩٥): "لم يختلف أهل العلم في أن القراءة والفقه يقدمان على قدم الهجرة، وتقدم الإسلام، وكبر السن في الإمامة.
واختلفوا في الفقه مع القراءة: فذهب جماعة إلى أن القراءة مقدمة على الفقه لظاهر الحديث، فالأقرأ أولى من الأعلم بالسنة، وإن استويا في القراءة، فالأعلم بالسنة -وهو الأفقه- أولى، وبه قال سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وذهب قوم إلى أن الأفقه أولى إذا كان يحسن من القراءة ما تصح بها الصلاة، وهو قول عطاء بن أبي رباح، وبه قال الأوزاعي، ومالك، وأبو ثور، وإليه مال الشافعي، فقال: إن قدم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكتفى به للصلاة فحسن، وإن قدم أقرؤهم إذا علم ما يلزمه فحسن، وإنما قدم هؤلاء الأفقه، لأن ما يجب من القراءة في الصلاة محصور، وما يقع فيها من الحوادث غير محصور، وقد يعرض للمصلي في صلاته ما يفسد عليه صلاته، إذا لم يعرف حكمه، وإنما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - القراءة لأنهم كانوا يسلمون كبارًا، فيفقهون قبل أن يقرؤوا، فلم يكن فيهم قارئ إلا وهو فقيه، ومن بعدهم يتعلمون القرآن صغارًا قبل أن يتفقهوا، فكل فقيه فيهم قارئ، وليس كل قارئ فقيهًا.
فإن استووا في القراءة والسنة: قال: "فأقدمهم هجرة، فإن الهجرة اليوم منقطعة، غير أن فضيلتها موروثة، فمن كان من أولاد المهاجرين، أو كان في آبائه وأسلافه من له سابقة في الإسلام والهجرة، فهو أولى ممن لا سابقة لأحد من آبائه وأسلافه، فإن استووا فالأكبر سنًّا أولى، لأنه إذا تقدم أصحابَه في السن، فقد تقدمهم في الإسلام.