للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: "ولا يؤم الرجل في سلطانه" قيل: أراد به في الجمعات والأعياد، السلطان أولى لتعلق هذه الأمور بالسلاطين، فأما الصلوات المكتوبات فأعلمهم أولاهم، وقيل: السلطان أو نائبه إذا كان حاضرًا فهو أولى من غيره بالإمامة، وكان أحمد يرى الصلاة خلف أئمة الجور، ولا يراها خلف أهل البدع، ويُروى: "ولا يُؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه"، وأراد به أن صاحب البيت أولى بالإمامة إذا أقيمت الجماعة في بيته، وإن كانت الخصال في غيره إذا كان هو يحسن من القراءة والعلم ما يقيم به الصلاة، ... "، وقد نقل أكثره من معالم السنن للخطابي (١/ ١٤٤).

وقال ابن قدامة في المغني (٢/ ٥): "لا خلاف في التقديم بالقراءة والفقه على غيرهما.

واختلف في أيهما يقدم على صاحبه، فمذهب أحمد رحمه الله: تقديم القارئ، وبهذا قال ابن سيرين والثوري وأصحاب الرأي، وقال عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور: يؤمهم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكفي في الصلاة؛ لأنه قد ينوبه في الصلاة ما لا يدري ما يفعل فيه إلا بالفقه، فيكون أولى كالإمامة الكبرى والحكم.

ولنا: ما روى أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ... "" فذكر الحديث، واحتج أيضًا بحديث أبي سعيد، وإمامة سالم مولى أبي حذيفة للمهاجرين الأوَل، وبحديث عمرو بن سلمة.

ثم قال: "فإن قيل: إنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتقديم القارئ لأن أصحابه كان أقرؤهم أفقههم، فإنهم كانوا إذا تعلموا القرآن تعلموا معه أحكامه، قال ابن مسعود: كنا لا نجاوز عشر آيات، حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها.

قلنا: اللفظ عام؛ فيجب الأخذ بعمومه دون خصوص السبب، ولا يخص ما لم يقم دليل على تخصيصه، على أن في الحديث ما يبطل هذا التأويل؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإن استووا فأعلمهم بالسنة" ففاضل بينهم في العلم بالسنة مع تساويهم في القراءة، ولو قدم القارئ لزيادة علم؛ لما نقلهم عند التساوي فيه إلى الأعلم بالسنة، ولو كان العلم بالفقه على قدر القراءة للزم من التساوي في القراءة التساوي فيه، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أقرؤكم أبي، وأقضاكم علي، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضكم زيد بن ثابت"، فقد فضل بالفقه من هو مفضول بالقراءة، وفضل بالقراءة من هو مفضول بالقضاء والفرائض وعلم الحلال والحرام. قيل لأبي عبد الله: حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مروا أبا بكر يصلي بالناس"، أهو خلاف حديث أبي مسعود [عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يؤم القوم أقرؤهم" قال: لا؛ إنما قوله لأبي بكر عندي: "يصلي بالناس" للخلافة، يعني: أن الخليفة أحق بالإمامة، وإن كان غيره أقرأ منه، فأمْرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر بالصلاة يدل على أنه أراد استخلافه"، وما بين المعكوفين زدته على المغني من السنة للخلال (٣٦٧)، والذي سأل الإمام أحمد هو أبو بكر الأثرم، وتتمة كلام

<<  <  ج: ص:  >  >>