للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإمام أحمد: "إنما أراد الخلافة بذلك، وقد كان لأبي بكر فضل بَيِّنٌ على غيره، وإنما الأمر في [الإمامة إلى] القراءة، فأما أبو بكر فإنما أراد به الخلافة، ثم قال أبو عبد الله: ألا ترى أن سالمًا مولى أبي حذيفة كان مع خيار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان يؤمهم لأنه جمع القرآن، وحديث عمرو بن سلمة أمهم للقرآن" [وانظر: الاستذكار (٢/ ٣٥٣)].

وقد جاء أيضًا في السنة للخلال (٣٦٥)، قال: "أخبرنا أبو بكر المروذي، قال: قيل لأبي عبد الله: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يؤم القوم أقرؤهم"، فلما مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قدموا أبا بكر يصلي بالناس"، وقد كان في القوم مَن أقرأ مِن أبي بكر؟ فقال أبو عبد الله: إنما أراد الخلافة" [وانظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (٢/ ٢٩٩)].

وممن ذكر هذا المعنى أيضًا في الجمع بين الحديثين: أبو عوانة الإسفراييني، فقد قال في صحيحه (١/ ٤٤٧): "يقال: إن في هذه الأحاديث إباحة البكاء في الصلاة، وبيان خلافة أبي بكر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليؤمكم أقرؤكم"، وقد كان في أصحابه من هو أقرأ منه، وفيهم من هو أرفع وأبين صوتًا منه للقراءة، وقد قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: مر غيره يصلي بالناس؛ فإنه لا يستطيع، وإنه أَسيف، وإنه رقيق، وإنه يبكي في صلاته، فلم يأمر غيره، ولم يرضى بغيره؛ فدل قوله في خبر أبي مسعود حيث قال: "ولا يُؤَمَّنَّ رجلٌ في سلطانه" أنه الخليفة عليهم بعده، والله أعلم".

وقد ترجم البخاري في صحيحه لحديث أبي موسى: "مروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس" (٦٧٨)، بقوله: بابُ أهلِ العلم والفضل أحقُّ بالإمامة، فقال ابن رجب في الفتح (٤/ ١١٧): "وهذا مما يستدل به من قال: إن الأفقه والأعلم مُقدَّم على الأقرأ؛ فإن أبي بن كعب كان أقرأ الصحابة، كما قال عمر: أبي أقرؤنا، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه، أنه قال: "أقرأ أمتي لكتاب الله أبي بن كعب"، ... ، فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر على أبي بن كعب في الصلاة بالناس دل على أن الأعلم والأفقه والأفضل مقدم على الأقرأ.

وقد اختلف العلماء: هل يقدم الأقرأ على الأفقه، أم الأفقه على الأقرأ؟

فقالت طائفة: يقدم الأفقه، وهو قول عطاء والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي وأبي ثور. وقال الليث: يؤمهم أفضلهم وخيرهم، ثم أقرؤهم، ثم أسنهم.

وقالت طائفة: يقدم الأقرأ على الأفقه، وحُكي عن الأشعث بن قيس وابن سيرين والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي، حكاه عنهم ابن المنذر واختاره، وما حكيناه عن الثوري، حكاه أصحابه عنه في كتبهم المصنفة على مذهبه، ونص أحمد على أنه يُقدَّم الأقرأ إذا كان يعرف ما يحتاج إليه الصلاة من الفقه، وكذلك قال كثير من المحققين من أصحابه، وحكوا مذهبه على هذا الوجه.

واستدل من قدم الأقرأ بما خرجه مسلم في صحيحه من حديث أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود الأنصاري ... " فذكره، وذكر أحاديث الباب في تقديم الأقرأ، ثم قال: "وقد تأوَّل الشافعي وغيره هذه الأحاديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما خاطب أصحابه، وكان

<<  <  ج: ص:  >  >>