الناس بالمدائن على دكان من حصى، فجذبه سلمان - رضي الله عنه - إليه، وقال: إنما أنت من القوم، فقم معهم.
أخرجه أبو يوسف في الآثار (٣٢٦).
قلت: تابع حمادٌ ابنَ عون على إرساله، وخالفه والأعمش في جعل المنكر: سلمان، فهذا وهمُ حمادٍ فيه، أو يكون الوهم من أبي حنيفة، أن جعل سلمان الفارسي هو المنكر على حذيفة، وإنما هو أبو مسعود البدري.
لكن يبقى أن ابن عون وحمادًا قد خالفا الأعمش، فوصله الأعمش، وأرسلاه، وكلهم من أصحاب إبراهيم، فالذي يظهر لي -والله أعلم- أن هذا الاختلاف إنما هو من قِبل إبراهيم نفسه، فإنه كان يرسل كثيرًا، فحدث به الأعمش موصولًا وقت نشاطه، وأرسله حين حدث به ابن عون وحماد.
وعليه فإن رواية الأعمش لا تُعَلُّ برواية ابن عون وحماد، لا سيما والأعمش من أثبت أصحاب النخعي، فقد قدمه بعضهم على منصور في حفظ إسناد حديث النخعي، قال وكيع: "الأعمش أحفظ لأسناد إبراهيم من منصور" [شرح علل الترمذي (٢/ ٧١٣)].
والحديث قد صححه: ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم، واحتج به أبو داود وابن المنذر، وقال أبو حاتم: "صالح".
وقال النووي في الخلاصة (٢٥٢٨): "رواه أبو داود بإسناد صحيح"، وصحح إسناده أيضًا في المجموع (٤/ ٢٥٣).
قلت: وهو كما قال، فإن همام بن الحارث النخعي قد سمع حذيفة بن اليمان، وحديثه عنه في الصحيحين [البخاري (٦٠٥٦ و ٧٢٨٢)، مسلم (١٠٥)]، وقد ثبت سماعه في هذا الحديث في رواية ابن عيينة، حيث قال: صلى بنا حذيفة، فدل على حضوره لهذه الواقعة، وشهوده لها، ومن ثم سماعه لما كان فيها من أبي مسعود البدري.
وهذا الإسناد من لدن الأعمش: صحيح على شرط الشيخين، كما قال الحاكم، فقد أخرج كل منهما بهذا الإسنادحديثًا [البخاري (٧٢٨٢)، مسلم (١٠٥)].
وقول أبي مسعود لحذيفة: ألم تعلم أنهم كانوا يُنْهون عن ذلك؟، وفي رواية زائدة: أليس إن هذا تذكره، ونُهِي عنه؟، وفي رواية ابن عيينة: أليس قد نهي عن هذا؟، وفي رواية أبي عوانة: ألم تعلم أنا كنا نُهينا عن هذا؟، وفي رواية عيسى: أما علمت أن هذا يُكره؟.
ففي هذا ما يبين أن الناهي لهم هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله أعلم، وأكثر أهل العلم على أن هذه الصيغة لها حكم الرفع [انظر: معرفة علوم الحديث (٢١)، الكفاية (٤٢١)، قواطع الأدلة (١/ ١٣٧)، مقدمة ابن الصلاح (٤٧)، النكت على كتاب ابن الصلاح (٢/ ٥٢٠)، فتح المغيث (١/ ١١٣)، البدر المنير (١/ ٤٥١)، وغيرها] [وقد تقدم الكلام على هذه المسألة، انظر ما تقدم برقم (٥٠٩ و ٥٩٣)].
***