وعكس ذلك: الوجه واليدان والقدمان، ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين، بخلاف ما كان قبل النسخ، بل لا تبدي إلا الثياب، وأما ستر ذلك في الصلاة فلا يجب باتفاق المسلمين، ...
إلى أن قال: وبالجملة قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها، وإنما ذلك إذا خرجت، وحينئذ فتصلي في بيتها وإن رُئي وجهها ويداها وقدماها، كما كن يمشين أولًا قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن، فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر؛ لا طردًا ولا عكسًا.
وابن مسعود - رضي الله عنه - لما قال:"الزينة الظاهرة هي الثياب"، لم يقل: إنها كلها عورة حتى ظفرها، بل هذا قول أحمد، يعني: أنها تشترط في الصلاة، فإن الفقهاء يسمون ذلك: باب ستر العورة، وليس هذا من ألفاظ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا في الكتاب والسنة: أن ما يستره المصلي فهو عورة، بل قال تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف: ٣١] ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطوف بالبيت عريانًا، فالصلاة أولى. وسئل عن الصلاة في الثوب الواحد؟ فقال:"أولكلكم ثوبان"، وقال في الثوب الواحد:"إن كان واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيقًا فاتزر به"، ونهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء.
فهذا دليل على أنه يؤمر في الصلاة بستر العورة: الفخذ وغيره، وإن جوزنا للرجل النظر إلى ذلك، ...
إلى أن قال: وعلى هذا فيستتر في الصلاة أبلغ مما يستتر الرجل من الرجل، والمرأة من المرأة، ولهذا أمرت المرأة أن تختمر في الصلاة، وأما وجهها ويداها وقدماها فهي إنما نهيت عن إبداء ذلك للأجانب، لم تنه عن إبدائه للنساء ولا لذوي المحارم.
فعلم أنه ليس من جنس عورة الرجل مع الرجل، والمرأة مع المرأة، التي نهي عنها لأجل الفحش وقبح كشف العورة، ... " [المجموع (٢٢/ ١١٣ - ١٢٠)].
وقال ابن رجب في الفتح (٢/ ١٢٩): "واستدل من قال: أن المأمور به من الزينة أكثر من ستر العورة التي يجب سترها عن الأبصار، بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء، وبأن من صلى عاريًا خاليًا لا تصح صلاته، وبأن المرأة الحرة لا تصح صلاتها بدون خمار، مع أنه يباح لها وضع خمارها عند محارمها، فدل على أن الواجب في الصلاة أمر زائد على ستر العورة التي يجب سترها عن النظر".
وانظر: المغني (١/ ٣٣٨)، شرح مسلم للنووي (٤/ ٢٣٢)، المجموع شرح المهذب (٣/ ١٧٧)، الذخيرة (٢/ ١١١)، فتح الباري لابن حجر (١/ ٤٧٢)، إحكام الأحكام (١/ ٣٠١)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٣/ ٣٩٦)، وغيرها كثير.