وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٢/ ٢٠١): "والذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيق سابغ وتخمر رأسها؛ فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأن عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها.
واختلفوا في ظهور قدميها: فقال مالك والليث بن سعد: تستر قدميها في الصلاة، قال مالك: فإن لم تفعل أعادت ما دامت في الوقت، وعند الليث تعيد أبدًا.
وقال الشافعي: ما عدا وجهها وكفيها عورة، فإن انكشف ذلك منها في الصلاة أعادت، ...
وقال أبو حنيفة والثوري: قدم المرأة ليست بعورة، إن صلت وقدمها مكشوفة لم تعد.
قال أبو عمر [ابن عبد البر]: لا خلاف علمته بين الصحابة في ستر ظهور قدمي المرأة في الصلاة، وحسبك بما جاء في ذلك عن أمهات المسلمين رضي الله عنهن".
قلت: أما عن أم سلمة فلا يصح، وأما عن ميمونة فقد صح أنها صلت في درع سابغ وخمار، وليس فيه إيجاب ذلك، والله أعلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"فكذلك القدم يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة، وهو الأقوى؛ فإن عائشة جعلته من الزينة الظاهرة، قالت:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}[النور: ٣١] قالت: الفتخ، حلق من فضة تكون في أصابع الرجلين، رواه ابن أبي حاتم، فهذا دليل على أن النساء كنَّ يُظهرن أقدامهن أولًا، كما يظهرن الوجه واليدين، كن يرخين ذيولهن، فهي إذا مشت قد يظهر قدمها، ولم يكن يمشين في خفاف وأحذية، وتغطية هذا في الصلاة فيه حرج عظيم، وأم سلمة قالت: تصلي المرأة في ثوب سابغ يغطي ظهر قدميها، فهي إذا سجدت قد يبدو باطن القدم، وبالجملة قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها، إذا كانت في بيتها، وإنما ذلك إذا خرجت، وحينئذ فتصلي في بيتها وإن رُئي وجهها ويداها وقدماها، كما كن يمشين أولًا قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن".
إلى أن قال:"وأمر المرأة في الصلاة بتغطية يديها بعيد جدًّا، واليدان تسجدان كما يسجد الوجه، والنساء على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان لهن قُمُص، وكن يصنعن الصنائع والقمص عليهن، فتبدي المرأة يديها إذا عجنت وطحنت وخبزت، ولو كان ستر اليدين في الصلاة واجبًا لبيَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك القدمان، وإنما أمر بالخمار فقط مع القميص، فكن يصلين بقمصهن وخمرهن، وأما الثوب التي كانت المرأة ترخيه، وسألت عن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "شبرًا" فقلن: إذن تبدو سوقهن، فقال: "ذراع لا يزدن عليه"، ... ، فهذا كان إذا خرجن من البيوت، ولهذا سئل عن المرأة تجر ذيلها على المكان القذر؟ فقال: "يطهره ما بعده"، وأما في نفس البيت فلم تكن تلبس ذلك، كما أن الخفاف اتخذها النساء بعد ذلك لستر السوق إذا خرجن، وهن لا يلبسنها في البيوت، ولهذا قلن: إذن تبدو