ثلاثًا، "والله لتُقيمُنَّ صفوفَكم، أو ليُخالفَنَّ الله بين قلوبكم"، وفي رواية: "لَتُسَوُّنَّ صفوفَكم، أو ليُخالفنَّ الله بين وجوهكم"، وبحديث البراء وأبي مسعود وابن مسعود: "استووا، ولا تختلفوا؛ فتختلف قلوبكم".
فإذا كان عدم تسوية الصفوف وإقامتها يؤدي إلى اختلاف القلوب والوجوه، ومن ثم تنافرها، وتباغضها، فإن اختلاف الظواهر سبب في اختلاف البواطن، وهذا أمر مذموم شرعًا، وقد تضافرت نصوص الشرع على الحث على تآلف القلوب، وتآخيها، واجتماعها، واعتصامها بحبل الله، والتحذير من التباغض والتدابر والتفرق والاختلاف والتنازع والقطيعة، فلما كانت النتيجة والغاية محرمة، حرم السبب الموصل إليها، ودل ذلك على وجوب تسوية الصف، والله أعلم.
قال ابن حجر في الفتح (٢/ ٢٠٧): "وفيه من اللطائف: وقوع الوعيد من جنس الجناية، وهي المخالفة، وعلى هذا فهو واجب، والتفريط فيه حرام"، وإن كان ابن حجر يذهب إلى القول بالاستحباب، لا بالوجوب.
وانظر: إكمال المعلم (٢/ ٣٤٦)، المغني (١/ ٢٧٥)، الفتح لابن حجر (٢/ ٢٠٧)، بسط الكف في إتمام الصف (١٢)، وغيرها.
• وفي نهاية هذا الباب نلخص بعض ما جاء فيه من أحكام وسنن:
• أولًا: نذكر بعض الأحكام والسنن التي اشتملت عليها أحاديث الباب، فمنها:
١ - إتمام الصف الأول، فالذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر [لحديث جابر بن سمرة (٦٦١)، وحديث أَنس (٦٧١)].
٢ - التراص في الصف، وهو التقارب والتضام والتلاصق، وسدُّ الخلل [لحديث جابر (٦٦١)، وحديث النعمان بين بشير (٦٦٢)، وحديث أَنس (٦٦٧)].
٣ - تسوية الصفوف وإقامتها، كما تُسوى القِداح، والمحاذاة بالأعناق والمناكب والأكعب، وعدم اختلاف الصدور بالتقدم والتأخر [لحديث النعمان (٦٦٢ و ٦٦٣)، وحديث أَنس (٦٦٧)، وحديث أبي هريرة وأبي مسعود وابن مسعود وغيرها].
٤ - إقبال الإمام بوجهه على المأمومين بعد الإقامة؛ فيأمرهم بتسوية الصفوف [لحديث أَنس، والنعمان (٦٦٣)].
٥ - على الإمام أن يسوي الصفوف بنفسه، أو يبعث من ينوب عنه في ذلك [لحديث النعمان (٦٦٣ و ٦٦٥)، ولفعل عمر وعثمان وبلال].
٦ - لا يكبر الإمام حتَّى تستوي الصفوف [لحديث النعمان (٦٦٥)].
٧ - أن يقف خلف الإمام أولو الأحلام والنهى، وأهل العلم والفضل، وذلك بالسبق إلى الصف الأول خلف الإمام، فإن سبقهم من ليس أهلًا لهذا المحل أُخِّر، وقاموا مقامه [لحديث أبي مسعود، وابن مسعود، وفعل أبي بن كعب، وسيأتي (٦٧٥)].