وقال ابن المنذر في الأوسط (١/ ١٨٣): "ليس في هذا الباب خبر يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه نهى عنه، وأعلى ما فيه قول أَنس: كنا نتقيه، ولو اتَّقى متَّقٍ كان حسنًا، ولا مأثم عندي على فاعله".
وقال ابن حبان:"هذا الفعل ينهى عنه بين السواري جماعة، وأما استعمال المرء مثله منفردًا فجائز".
وقال البيهقي (٣/ ١٠٤): "وهذا - والله أعلم - لأنَّ الأسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف؛ فإن كان منفردًا، أو لم يجاوزوا ما بين الساريتين: لم يكره إن شاء الله تعالى؛ لما روينا في الحديث الثابت عن ابن عمر، قال: سألت بلالًا أين صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني: في الكعبة -؟ فقال: بين العمودين المقدَّمين".
وقال المحب الطبري:"كره قوم الصف بين السواري؛ للنهي الوارد عن ذلك، ومحل الكراهة: عند عدم الضيق، والحكمة فيه: انقطاع الصف" [الفتح لابن حجر (١/ ٥٧٨)، بسط الكف (١٨)].
وقال ابن العربي في العارضة (٢/ ٢٦): "ولا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما مع السعة فهو مكروه للجماعة، فأما الواحد فلا بأس به، ... ".
وفي المغني (٢/ ٢٧): "ولا يكره للإمام أن يقف بين السواري، ويكره للمأمومين؛ لأنَّها تقطع صفوفهم".
وفي الإنصاف (٢/ ٢٩٩): "قوله: ويُكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفَهم، وهذا المذهب، وعليه الأصحاب، وهو من المفردات، وعنه: لا يُكره لهم ذلك، كالإمام وكالمنبر، تنبيه: محل الخلاف إذا لم تكن حاجة، فإن كان ثم حاجة لم يُكره الوقوف بينهما".
قلت: الصحيح في علة المنع هو: قطع الصفوف، ومن ثم فلا يقاس عليه الإمام والمنفرد؛ قال أبو الفتح اليعمري في النفح الشذي (٤/ ٢٢٢): "وإذا كانت العلة في الكراهة قطع الصفوف فلا معنى للقياس على الإمام والمنفرد؛ لانتفاء العلة هناك".
فإن قيل: قد قالوا بالتفريق بين السعة والضيق، والجواز في حالة الضيق، وحديث أَنس ورد في حالة الضيق؛ لقوله: فاضطرنا الناس، وفي رواية: فزُحمنا، قال أبو الفتح اليعمري في النفح الشذي (٤/ ٢٢٢): "فيمكن أن يقال: إن الضرورة التي أشار إليها في الحديث لم تبلغ قدر الضرورة التي يرتفع الحرج معها"، والله أعلم.
وانظر: المبسوط لمحمد بن الحسن (١/ ٣٦٢)، شرح ابن بطال (٢/ ١٣٤)، إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (٣/ ٤٠)، فتح الباري لابن رجب (٢/ ٦٥٣)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٦/ ١٨٤)، وغيرها.