للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأما حكم النساء، وقيامهن خلف الرجال فظاهر، وقد سبق معنا في ذلك حديث أنس، في قيام المرأة وحدها صفًّا خلف الرجال، والشاهد منه قوله: وصفَفْتُ أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا [متفق عليه، وتقدم برقم (٦١٢)]، وحديث سهل بن سعد، قال: لقد رأيتُ الرجالَ عاقدي أُزُرِهم في أعناقهم من ضيق الأُزُر خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة كأمثال الصبيان، فقال قائل: يا معشر النساء! لا ترفَعْنَ رؤوسَكُنَّ حتى يرفعَ الرجالُ [متفق عليه، وتقدم برقم (٦٣٠)]، وفيه دلالة على أن النساء كنَّ يصلِّين خلف الرجال، وحديث أم سلمة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلَّم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيرًا قبل أن يقوم [أخرجه البخاري (٨٣٧ و ٨٤٩ و ٨٥٠ و ٨٦٦ و ٨٧٠)، وسيأتي تخريجه في موضعه من السنن برقم (١٠٤٠)، إن شاء الله تعالى، وتقدم ذكره تحت الحديث رقم (٥٦٨) وقد ترجم له البخاري بقوله: "باب صلاة النساء خلف الرجال"، وحديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير صفوف الرجال أوَّلها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أوَّلها" [أخرجه مسلم (٤٤٠)، والترمذي (٢٢٤)، وقال: "حسن صحيح"، وهو الحديث الآتي في السنن برقم (٦٧٨)، وتقدم ذكره تحت الحديث رقم (٥٦٨)].

وأما حكم الغلمان، وتأخيرهم خلف الرجال: فهو حكم قد انفرد به شهر بن حوشب، وشهر: لا يُحتج به إذا انفرد بأصل وسنة، لا سيما وهناك قرينة في هذا الحديث تدل على عدم ضبطه له، وهي عدم ضبط إسناده، كما أنه كان يحدث به مرة مطولًا، ومرة مختصرًا، ومرة بالمعنى، يتصرف في المتن كثيرًا، هذا من جهة تفرده بهذا الحكم مع عدم ضبطه للحديث، ومن جهة أخرى، فقد خولف فيه:

فقد صح عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَّه وامرأةً منهم، فجعله عن يمينه، والمرأة خلف ذلك [تقدم برقم (٦٠٨ و ٦٠٩)]، وصح أن ابن عباس قد صفَّ وهو صبي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعائشة خلفهما، قال ابن عباس: صليت إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعائشة خلفنا تصلي معنا، وأنا إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - أصلي معه [تقدم تحت الحديث رقم (٦١١)]، فلو كان الصبي يصف في صف وحده خلف الرجال، لما صف إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل في صفٍّ خلفه، وأما صلاة ابن عباس وحده إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بات معه في بيت خالته ميمونة؛ فقصة مشهورة في الصحيح، لها طرق كثيرة [تقدم برقم (٦١٠ و ٦١١)].

بل ولابن عباس ما يدل على أنه كان يصف مع الرجال، فمن ذلك:

ما رواه سليمان الشيباني، عن عامر الشعبي، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبر قد دفن ليلًا، فقال: "متى دفن هذا؟ " قالوا: البارحة، قال: "أفلا آذنتموني؟ " قالوا: دفناه في ظلمة الليل؛ فكرهنا أن نوقظك، فقام، فصففنا خلفه، قال ابن عباس: وأنا فيهم، فصلى عليه [متفق عليه، وتقدم تحت الحديث رقم (٦١١)].

وما رواه ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: أقبلت راكبًا على أتانٍ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمني [في

<<  <  ج: ص:  >  >>