للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حجة الوداع]، إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت، وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد. وفي رواية للبخاري ومسلم: فصف مع الناس. وفي رواية للبخاري: بين يدي بعض الصف الأول،. . .، فصففت مع الناس وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

متفق عليه [البخاري (٧٦ و ٤٩٣ و ٨٦١ و ١٨٥٧ و ٤٤١٢)، مسلم (٥٠٤)]، وسيأتي قريبًا -إن شاء الله تعالى- برقم (٧١٥).

قال ابن رجب في الفتح (٥/ ٣٠٣): "وحديث ابن عباس الذي خرجه البخاري في هذا الباب يدل على أن في خول الصبي المميز في صف الرجال في الصلاة المفروضة هو السنة، والله أعلم"، وقال أيضًا (٥/ ٣٠١): "والمراد بتخريجه هاهنا: الاستدلال على صحة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يدخل في صف الرجال ويقف معهم.

وقد استدل بهذا مالك على أن الأفضل أن يجعل في الصف بين كل رجلين صبيًّا؛ ليتعلم أدب الصلاة وخشوعها، وهو أحد الوجهين للشافعية.

والثاني لهم: يقف الصبيان إذا كثروا صفًّا خلف الرجال، وهو مذهبنا، ومذهب أبي حنيفة".

قلت: ومن أجاز إمامة الصبي للرجال؛ فإجازته لمصافته الرجال أولى، وقد تقدم معنا حديث عمرو بن سلمة الجرمي برقم (٥٨٥ - ٥٨٧)، والشاهد منه قوله: فكنت أَؤُمُّهم وأنا ابن سبعِ سنين أو ثمانِ سنين، وفي رواية: فقدموني بين أيديهم، فكنت أصلي بهم وأنا ابن ست سنين، وهو حديث صحيح، أخرجه البخاري (٤٣٠٢).

وعليه: فإذا كانت إمامة غير البالغ جائزة إذا عقل الصلاة وقام بها، فمصافته الرجال من باب أولى، والله أعلم.

• وإذا قيل بأن هذا الحديث يدل على أن الغلمان يصفون وحدهم مستقلين عن الرجال، كما تصف النساء فلا تتصل صفوفها بصفوف الرجال، فإنه يترتب على ذلك أن يبقى الصف الأخير من الرجال به نقص، وكان الأولى إتمامه بمن هو من جنسهم وهم الغلمان؛ امتثالًا لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أتِمُّوا الصف المُقدَّم، ثم الذي يليه، فما كان من نقصٍ؛ فليكن في الصفِّ المؤخَّر" [تقدم برقم (٦٧١)]، وبهذا يظهر وجه آخر من المخالفة.

• وأما احتجاجهم بحديث: "لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" [تقدم برقم (٦٧٤ و ٦٧٥)، وهو حديث صحيح]، فليس فيه معارضة لمصافة الصبي المميز للرجال، فقد فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنس وابن عباس، وفعله ابن عباس بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينكر عليه، ولم يأمره بالتأخر ليصف خلف صفوف الرجال، والله أعلم.

• وانظر فقه المسألة:

الحاوي الكبير (٢/ ٣٤٠)، شرح السنة (٣/ ٣٨٩)، المغني (٢/ ١٨ و ٢٦)، الهداية شرح البداية (١/ ٥٧)، فتاوى ابن الصلاح (٨٣)، المجموع شرح المهذب (٤/ ٢٥٢)،

<<  <  ج: ص:  >  >>