الثاني: وهو طرد هذا القياس، إذا لم يمكنه أن يصلي مع الجماعة إلا قدَّام الإمام؛ فإنه يصلي قدَّامه، وتصح صلاته، وكلاهما وجه في مذهب أحمد، وهو اختيار شيخنا رحمه الله".
قال شيخ الإسلام: "وطرد هذا: صحة صلاة المتقدم على الإمام للحاجة، كقول طائفة، وهو قول في مذهب أحمد، وإذا كان القيام والقراءة وإتمام الركوع والسجود والطهارة بالماء وغير ذلك: يسقط بالعجز، فكذلك الاصطفاف، وترك التقدم، وطرد هذا بقية مسائل الصفوف، كمسألة من صلى ولم ير الإمام ولا من وراءه، مع سماعه للتكبير، وغير ذلك" [المجموع (٢٣/ ٣٩٦)].
قال ابن القيم: "وبالجملة فليست المصافة أوجب من غيرها؛ فإذا سقط ما هو أوجب منها للعذر؛ فهي أولى بالسقوط، ومن قواعد الشرع الكلية: أنه لا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة".
وقول شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم في صحة صلاة الفذ إذا لم يجد مكانًا في الصف: قد سبقهما إليه ابن معين [كما في تاريخ الدوري (٣/ ٣٦٠/ ١٧٤٦) و (٣/ ٤٧٥/ ٢٣٢٤)]، وقال به الشيخ ابن عثيمين وشيخه عبد الرحمن بن سعدي رحمهم الله جميعًا، قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "فإذا جاء المصلي ووجد الصف قد تم؛ فإنه لا مكان له في الصف، وحينئذ يكون انفراده لعذر؛ فتصح صلاته" [الشرح الممتع (٤/ ٣٨٢)].
• وأخيرًا: فقد دل على صحة صلاة الفذ إذا لم يجد مكانًا في الصف: حديث وابصة بن معبد؛ ففيه: أن الرجل الذي أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعادة الصلاة إنما صلى وحده خلف الصفوف، ولم يتصل بها، وقد كان في الصف متسع، لكنه ترك الاتصال بالصفوف، أي: ترك مصافة الناس مع اتساع المكان له، وصلى وحده خلفهم، فهذا الذي لا تصح صلاته وتبطل بانفراده خلف الصفوف، ويؤمر بالإعادة، والله أعلم.
وحينئذ فلا يبقى مجال للكلام في مسألة: هل يجذب من لم يجد مكانًا في الصف رجلًا ليقوم إلى جنبه؟ فهي فضلًا عن سقوط دليلها، وشدة ضعفه، وعدم انتهاضه للاستدلال به كما قدمنا، فإن حديث وابصة من طريق حصين قد دل على أن المأمور بإعادة الصلاة ذاك الذي ترك مصافة الناس مع اتساع الصف له، والله أعلم.
• مسألة: قال في الإنصاف (٢/ ٢٨٩): "قال الشيخ تقي الدين: لو حضر اثنان وفي الصف فرجة فأيهما أفضل: وقوفهما جميعًا، أو سد أحدهما الفرجة وينفرد الآخر؟ رجح أبو العباس الاصطفاف مع بقاء الفرجة؛ لأن سد الفرجة مستحب، والاصطفاف واجب" [وانظر: الفتاوى الكبرى (٤/ ٤٣٣)].
وانظر أيضًا: اختلاف العلماء لابن نصر المروزي (٤٢)، مختصر اختلاف العلماء (١/ ٢٣٤)، شرح معاني الآثار (١/ ٣٩٤)، صحيح ابن حبان (٥/ ٥٧٧)، المحلى (٤/ ٥٧)، الاستذكار (٢/ ٣١٥)، شرح السنة (٣/ ٣٧٨)، المغني (٢/ ٢٢)، المجموع شرح