فيصافه في القيام، فإن هذا جائز باتفاق الأئمة، وحديث أبي بكرة فيه النهي بقوله:"ولا تعد"، وليس فيه أنه أمره بإعادة الركعة، كما في حديث الفذ، فإنه أمره بإعادة الصلاة، وهذا مبين مفسر، وذلك مجمل، حتى لو قُدِّر أنه صرح في حديث أبى بكرة بأنه دخل في الصف بعد اعتدال الإمام -كما يجوز ذلك في أحد القولين في مذهب أحمد وغيره- لكان سائغًا في مثل هذا، دون ما أمر فيه بالإعادة، فهذا له وجه، وهذا له وجه".
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (١/ ٤٧٧ - ٤٧٨): "فصل: إعادة الصلاة لمن صلى منفردًا خلف الصف توافق القياس:
ومن ذلك: ظنُّ بعضِهم أن أمره - صلى الله عليه وسلم - لمن صلى فذًا خلف الصف بالإعادة على خلاف القياس؛ فإن الإمام والمرأة فذان وصلاتهما صحيحة.
وهذا من أفسد القياس وأبطله؛ فإن الإمام يسَنُّ في حقه التقدم، وأن يكون وحده، والمأمومون يسنُّ في حقهم الاصطفاف، فقياس أحدهما على الآخر من أفسد القياس، والفرق بينهما: أن الإمام إنما جعل ليؤتم به، وتشاهَد أفعاله وانتقالاته، فإذا كان قدَّامهم حصل مقصود الإمامة، وإذا كان في الصف لم يشاهده إلا من يليه، ولهذا جاءت السنة بالتقدم ولو كانوا ثلاثة، محافظة على المقصود بالائتمام.
وأما المرأة: فإن السنة وقوفها فذة إذا لم يكن هناك امرأة تقف معها، لأنها منهية عن مصافة الرجال، فموقفها المشروع أن تكون خلف الصف فذة، وموقف الرجل المشروع أن يكون في الصف، فقياس أحدهما على الآخر من أبطل القياس وأفسده، وهو قياس المشروع على غير المشروع".
وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام: "فكيف يقاس المنهي بالمأمور به، وكذلك وقوف الإمام أمام الصف هو السنة، فكيف يقاس المأمور به بالمنهي عنه، والقياس الصحيح: إنما هو قياس المسكوت على المنصوص، أما قياس المنصوص على منصوص يخالفه: فهو باطل باتفاق العلماء، كقياس الربا على البيع، وقد أحلَّ الله البيع وحرَّم الربا" [المجموع (٢٣/ ٣٩٦)].
قال ابن القيم: "فإن قيل: فلو كان معها نساء ووقفت وحدها صحت صلاتها.
قيل: هذا غير مسلَّم، بل إذا كان صف النساء فحكم المرأة بالنسبة إليه في كونها فذة كحكم الرجل بالنسبة إلى صف الرجال [وهو قول شيخ الإسلام، إذ يقول:"وكان حكمها حكم الرجل المنفرد عن صف الرجال"].
لكن موقف المرأة وحدها خلف صف الرجال يدل على شيئين:
أحدهما: أن الرجل إذا لم يجد خلف الصف من يقوم معه، وتعذر عليه الدخول في الصف، ووقف فذًا: صحت صلاته للحاجة، وهذا هو القياس المحض؛ فإن واجبات الصلاة تسقط بالعجز عنها [وبه قال شيخ الإسلام، قال:"والأظهر: صحة صلاته في هذا الموضع؛ لأن جميع واجبات الصلاة تسقط بالعجز"].