للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد كان هذا متنازعًا فيه، فمن الناس من قال: إنما قال له: "لا تَعُد" أي إلى التأخر والإبطاء، وشكر له مع ذلك حرصه، ومنهم من قال: إنه إنما نهاه عن المشي راكعًا، وبهذه الزيادة يتبين أن هذا هو المراد، والله أعلم".

قلت: حجاج بن المنهال الأنماطي البصري: ثقة، متفق عليه، من أصحاب حماد بن سلمة، المكثرين عنه، وزيادته مقبولة، لكنا نجمعها إلى رواية غيره من الثقات، ونؤلف بينها، فنجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سأل عن: الركوع دون الصف، وعن المشي إلى الصف، ورواية حجاج قد جمعت بين المعنيين، ولا تنافي، إلا أنها زادتنا معنى جديدًا؛ ألا وهو أن أبا بكرة قد دخل الصف راكعًا، ومن ثم فقد حصلت له المصافة حال الركوع، وقبل أن يرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه من الركوع، وبذا يزول الإشكال الذي سيأتي ذكره في الكلام عن فقه مسائل الحديث، كذلك فإنه يظهر بذلك جليًّا أن النهي عن العود المذكور في الحديث إنما يرجع إلى هذين المعنيين المنصوص عليهما، لكن هل صح في روايات الحديث معنى ثالث، أو رابع، يمكن أن يضاف إلى ذلك، أم لا؟ هذا ما سيأتي بيانه قريبًا، والله أعلم.

فإن قيل: ذكر ابن رجب في شرح العلل (٢/ ٧٨٤) أن من سمع من حماد تصانيفه فليس حديثه بذاك، ومن سمع منه النسخ التي كانت عنده عن شيوخه فسماعه جيد، فيقال: لم يقع اختلاف يؤثر كثيرًا في المعنى فإن رواية أصحاب حماد تتفق مع ما في مصنفه في المعنى، غير أن ما في المصنف زاد معنى جديدًا، ولعل حجاجًا سمعه من النسخ، لا من المصنفات، وحجاج ثقة يعتمد على حفظه، لا سيما وأبو سلمة المنقري موسى بن إسماعيل ممن روى عن حماد تصانيفه [ذكر ذلك الذهبي في التذكرة (١/ ٣٩٤)، والتاريخ (١٦/ ٤١٥)]، وهو شيخ أبي داود في هذا الحديث، ولفظه كما ترى، فذلك مما يجعل النفس تطمئن إلى ثبوت رواية حجاج، كما أن ابن رجب لم يذكر لنا قائل هذه المقالة، والله أعلم.

بل إن الأئمة كانوا يذهبون إلى القول بعدم ثبوت الحديث عن حماد بن سلمة إذا لم يكن في مصنفاته [انظر مثلًا: سنن الدارقطني (١/ ٧٧)، علل الدارقطني (٥/ ٣٤٦/ ٩٤٠)، سنن البيهقي (١/ ١٠)، الخلافيات (١/ ١٦٨/ ٢٩)، الأباطيل والمناكير (١/ ٤٩٨/ ٣٠٨)، الحديث المتقدم في السنن برقم (٨٤)]، وهذا مما يؤكد القول بثبوت هذا الحديث بروايتيه عن حماد بن سلمة، والله أعلم.

فإن قيل: فإن يحيى بن سعيد القطان ليَّن روايات حماد بن سلمة عن زياد الأعلم، قال يحيى بن سعيد: "حماد بن سلمة عن زياد الأعلم وقيس بن سعد: ليس بذاك" [مسند ابن الجعد (٣٣٦٥)، الجرح والتعديل (٣/ ١٤١)، الكامل في الضعفاء (٢/ ٢٥٣ و ٢٥٦)، سنن البيهقي (٤/ ٩٤)، السير (٧/ ٤٥١)، شرح العلل (٢/ ٧٨٣)، وغيرها].

فيقال: أما رواية حماد عن قيس بن سعد، فقد تكلموا فيها، لأن كتابه عن قيس كان قد ضاع، فكان يحدثهم من حفظه فَيَهِم، ويرفع أحاديث [انظر: التهذيب (١/ ٤٨١)،

<<  <  ج: ص:  >  >>