ولما ترجم البخاري في التاريخ الكبير (٨/ ٢٥) للمهلب بن حجر، قال:"عن ضباعة بنت المقدام، روى عنه الوليد بن كامل"، وتبعه على ذلك ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (٨/ ٣٧٠)، وابن حبان في الثقات (٧/ ٥١١)، والذي قال: بنت المقدام، هو بقية.
قال ابن رجب في الفتح (٢/ ٦٤٧): "ولعل هذه الرواية أشبه: وكلام ابن معين وأبي حاتم الرازي يشهد له، والشاميون كانوا يسمون المقدام بن معد يكرب: المقداد، ولا ينسبونه أحيانًا، فيظن من سمعه غير منسوب أنه ابن الأسود، وإنما هو ابن معد يكرب، وقد وقع هذا الاختلاف لهم في غير حديث من رواياتهم، والمهلب بن حجر: شيخ ليس بالمشهور، والوليد: قال أبو حاتم: وهو شيخ، وقال البخاري: عنده عجائب".
وقال ابن حجر في الدراية (١/ ١٨١): "والاضطراب فيه من الوليد، وهو: مجهول".
قلت: القول بأن الوليد بن كامل اضطرب في إسناده ومتنه ليس ببعيد، لو لم يختلف فيه على بقية، لكن قول الجماعة عندي أقرب إلى الصواب، وذلك أن المهلب بن حجر:
بهراني، والمقداد: بهراني، فروايته عنه أقرب من روايته عن الغرباء، فإن المقدام لم يكن بهرانيًا، والله أعلم.
والذي ساقه يعقوب بن سفيان في المعرفة (٢/ ٩٦) يدل على أن الذين كانوا يخطؤون في اسم المقدام بن معدي كرب فيسمونه المقداد إنما هم أهل العراق، لا أهل الشام [وانظر في ذلك أيضًا: علل الدارقطني (١٤/ ٦٥/ ٣٤٢٣)]، كما أن في رواية محمد بن حميد [أو: ابن حمير]: أخبرني الوليد بن كامل، عن المهلب بن حجر، عن ضباعة بنت المقداد بن الأسود البهراني، عن أبيها، وهذا يؤكد كونه المقداد، لا المقدام، والله أعلم.
كذلك فإن الرواية عن بقية قد اختلفت، مما يدل على أن بقية لم يضبطه، فمرة يقول: عن الحجر -أو: أبي الحجر- بن المهلب البهراني، ومرة يسميه: المهلب بن حجر البهراني، ومرة يجعل المتن من فعله - صلى الله عليه وسلم -، ومرة يجعله من قوله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا بخلاف رواية علي بن عياش ومن تابعه، مثل يحيى بن صالح الوحاظي، فلم يختلف عليهم في إسناده، ولا في متنه، وروايتهم عندي أقرب للصواب، نعم، كان من الممكن الحكم عليه بالاضطراب من قبل الوليد بن كامل لو كان الرواة عن بقية اتفقوا ولم يختلفوا عليه، لكن اختلافهم عليه دل على أن بقية لم يكن يضبطه، وإنما ضبطه علي بن عياش [وهو: ثقة ثبت]، وتابعه على ذلك اثنان، فدل على روايتهم هي المحفوظة، والله أعلم.
قال البيهقي:"والحديث تفرد به الوليد بن كامل البجلي الشامي، قال البخاري: عنده عجائب، والله تعالى أعلم".
وقال عبد الحق في أحكامه الوسطى (١/ ٣٤٤): "ليس إسناده بقوي".
وتعقبه ابن القطان في بيان الوهم (٣/ ٣٥١/ ١٠٩٩) بقوله: "ولم يبين موضع العلة منه، وهي الجهل بحال ثلاثة من رواته: الوليد بن كامل، عن المهلب بن حجر البهراني، عن ضباعة بنت المقداد، عن أبيها.