حديث عبيد الله عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنهما مرَّا على الصف، فقد يجوز أن يكونا مرَّا على المأمومين دون الإمام، فكان ذلك غير قاطع على المأمومين، ولم يكن في ذلك دليل على حكم مرور الحمار بين يدي الإمام، ولكن في حديث صهيب عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنه مرَّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ينصرف، فدلَّ ذلك على أن مرور الحمار بين يدي الإمام أيضًا غير قاطع للصلاة".
قلت: التصريح بمرور الحمار أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي إنما ورد في رواية شعبة دون رواية منصور، كما أن في رواية عبيد الله عن ابن عباس أنه مر بين يدي بعض الصف، دليل ظاهر أنه لم يمر بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله أعلم.
ومن الذين تأولوا حديث صهيب:
أ- قال ابن خزيمة بعد رواية غندر عن شعبة، وفيها: فمررت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي (٨٣٥): "وليس في هذا الخبر أن الحمار مر بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما قال: فمررت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذه اللفظة تدل أن ابن عباس مر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزوله عن الحمار؛ لأنه قال: فمررت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي؛ إلا أن عبيد الله بن موسى رواه عن شعبة قال: فمررنا بين يديه ثم نزلنا فدخلنا معه في الصلاة، ... ، والحُكم لعبيد الله بن موسى على محمد بن جعفر محال؛ لا سيما في حديث شعبة، ولو خالف محمد بن جعفر عددًا مثل عبيد الله في حديث شعبة لكان الحكم لمحمد بن جعفر عليهم، وقد روى هذا الخبر منصور بن المعتمر عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن أبي الصهباء، وهو صهيب، قال: كنا عند ابن عباس فذكرنا ما يقطع الصلاة، فقالوا: الحمار والمرأة، فقال ابن عباس: لقد جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب مرتدفين على حمار، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس في أرض خلاء، فتركنا الحمار بين أيديهم، ثم جئنا حتى دخلنا بين أيديهم، فما بالى ذلك، ... [وذكر الحديث بقصة الجاريتين، ثم قال:] وهذا الخبر ظاهره كخبر عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: أن الحمار إنما مر بين يدي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بذلك، فإن كان في الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمرور الحمار بين يدي بعض من كان خلفه، فجائز أن تكون سترة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت سترة لمن خلفه؛ إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كان يستتر بالحربة إذا صلى بالمصلى، ... " ثم أطال في الرد فانظره في موضعه، وإنما اقتصرت على المراد.
ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم بذلك يقينًا، دل على ذلك قول ابن عباس في رواية ابن عيينة: فلم يقل لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، وفي رواية مالك ويونس: فلم ينكرْ ذلك عليَّ أحدٌ.
وكان قال قبل ذلك (٢/ ٢٣): "وليس في هذا الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الأتان تمر، ولا ترتع بين يدي الصفوف، ولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُعلم بذلك فلم يأمر من مرت الأتان بين يديه بإعادة الصلاة، والخبر ثابت صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن الكلب الأسود والمرأة