الحائض والحمار يقطع الصلاة، وما لم يثبت خبرٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بضد ذلك لم يجز القول والفتيا بخلاف ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -".
قلت: ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: "إني أراكم من أمامي ومن خلفي"، وفي لفظ: "إني لأراكم من ورائي كما أراكم من أمامي"، وكلاهما في الصحيح [من حديث أنس، وتقدم برقم (٦٢٤)]، فكيف يخفى عليه مرور الحمار بين أيدي أصحابه، هذا من وجه، ومن وجه آخر، فإن الله تعالى ما كان ليقرَّ الصحابة على ما لا يرضيه؛ والوحي ينزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فلو لم يعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك لأعلمه الله تعالى، وأطلعه على ذلك، والكلام في هذه المسألة يطول، وموضعها من علم الأصول معلوم، لكن اكتفيت بالإشارة، والصواب في ذلك ما قال ابن خزيمة نفسه بعد ذلك: أن سترة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت سترة لمن خلفه، فلا يضرهم مرور الحمار بين أيديهم، والله أعلم.
ب- قال ابن رجب في الفتح (٢/ ٦١٢): "فعلى تقدير أن يكون ابن عباس مر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي إلى غير سترة، فإنه يحمل على أنه مر بين يديه من بُعدٍ؛ فإنه لا يُظَن بالفضل وأخيه أن يمرا على حمار بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرب منه، وإذا كان مرورهما بين يديه متباعدًا؛ فإنه لا يضر، ومرورهما على هذه الحال وجوده كعدمه.
وعلى تقدير أن يكونا لم يمرا إلا بين يدي بعض الصف، ولم يمرا بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، والروايات الصحيحة إنما تدل على ذلك؛ فمع ما علم من عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - من صلاته إلى العنزة في أسفاره.
وقد روي ذلك من حديث ابن عباس أيضًا، خرجه الإمام أحمد: ثنا يزيد بن أبي حكيم: حدثني الحكم بن أبان، قال: سمعت عكرمة، يقول: قال ابن عباس: ركزت العنزة بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفات، فصلى والحمار من وراء العنزة.
والظاهر: أنه أشار إلى مروره على الحمار بين يديه، فيستدل بالحديث حينئذ على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، كما استدل به البخاري، وسواء كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ يصلي إلى سترة أو إلى غير سترة؛ لأن قبلته كانت محفوظة عن المرور فيها، وكان هو - صلى الله عليه وسلم - سترة لمن وراءه؛ فلذلك لم يضرهم مرور الحمار بين أيديهم.
وهذا قول جمهور العلماء: إن سترة الإمام سترة لمن خلفه".
قلت: سيأتي الكلام على رواية الحكم بن أبان قريبًا.
• وأما قصة الجاريتين فلمن صححها أن يحملها على الجارية صغيرة السن التي لم تبلغ، وهذا ظاهر من سياق القصة، حيث قال راويها: وجاءت جاريتان تسعيان من بني عبد المطلب، إذ من المعلوم أن الحجاب كان قد فرض في هذا الوقت، فلم تكن الحرة من بني عبد المطلب لتفعل هذا، وإنما يليق ذلك بالجواري صغار السن، فليس لها أحكام النساء، ولا يقال لها امرأة، إذ لم تحض بعدُ، كما أنه لا يليق بالمرأة البالغة -حتى وإن كانت أمة- أن تجهل أحكام الصلاة، فتسعى إلى النبي مستعيذة به من أختها، وهو في