اعتبرت به، وأما هنا فقد رددته، وذلك لمخالفته هو وحديث أبي الصهباء لحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، وقد سبق بيان وجه المخالفة، وسبب تقديم حديث عبيد الله، والله أعلم.
ب- وروى ابن جريج، قال: أخبرني عبد الكريم؛ أن مجاهدًا أخبره، عن ابن عباس، قال: ارتدفت أنا والفضل على أتان، فمررنا بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة، وهو يصلي المكتوبة، ليس شيء يستره ويحول بيننا وبينه.
أخرجه ابن خزيمة (٢/ ٢٥/ ٨٣٨)، وعبد الرزاق (٢/ ٢٨/ ٢٣٥٧)، والبزار (١١/ ٢٠١/ ٤٩٥١)، والطبراني في الكبير (١١/ ١٠٠/ ١١١٧٢)، وابن عبد البر في التمهيد (٩/ ٢١).
قال البزار:"وهذا الحديث لا نعلمه يُروى إلا عن ابن عباس، وقد رُوي عن ابن عباس من غير وجه بألفاظ، فذكرنا كل حديث منها بلفظه في موضعه".
وقال ابن خزيمة:"وغير جائز أن يحتج بعبد الكريم عن مجاهد، على الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، وهذه اللفظة قد رُويت عن ابن عباس خلاف هذا المعنى".
ثم أسند حديث الحكم بن أبان الآتي، ثم قال:"فهذا الخبر مضاد خبر عبد الكريم عن مجاهد؛ لأن في هذا الخبر أن الحمار إنما كان وراء العنزة، وقد ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - العنزة بين يديه بعرفة فصلى إليها، وفي خبر عبد الكريم عن مجاهد قال: وهو يصلي المكتوبة ليس شيء يستره يحول بيننا وبينه، وخبر عبد الكريم وخبر الحكم بن أبان: قريب من جهة النقل؛ لأن عبد الكريم قد تكلم أهل المعرفة بالحديث في الاحتجاج بخبره، وكذلك خبر الحكم بن أبان، غير أن خبر الحكم بن أبان تؤيده أخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحاح من جهة النقل، وخبر عبد الكريم عن مجاهد يدفعه أخبار صحاح من جهة النقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا الفعل الذي ذكره عبد الكريم عن مجاهد عن ابن عباس قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قد زجر عن مثل هذا الفعل؛ في خبر سهل بن أبي حثمة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته"".
قلت: وعبد الكريم بن أبي المخارق، أبو أمية البصري: مجمع على ضعفه، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله:"ضعيف"، وفي رواية أبي طالب:"ليس هو بشيء، شبه المتروك" [التهذيب (٢/ ٦٠٣)، الميزان (٢/ ٦٤٦)، الجرح والتعديل (٦/ ٦٠)].
وهذا من أوهام عبد الكريم ومناكيره؛ فإن الحديث لا يُعرف من حديث مجاهد عن ابن عباس من وجهٍ يصح.
ج- وروى ابن أبي ذئب، عن شعبة [مولى ابن عباس]، عن ابن عباس، قال: مررت أنا والفضل [بن عباس] على أتان [بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -]، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس في فضاء من الأرض، فنزلنا ودخلنا معه، فما قال لنا في ذلك شيئًا.
وفي رواية: حتى جاوزنا عامة الصف، فما نهانا، ولا ردنا.