قال أبو عمر: الآثار المرفوعة في هذا الباب كلها صحاح من جهة النقل؛ غير أن حديث أبي ذر وغيره في المرأة والحمار والكلب: منسوخ، ومعارَض، فمما عارضه أو نسخه عند أكثر العلماء: حديث عائشة المذكور في هذا الباب".
وقال في التمهيد (٤/ ١٩١) أيضًا: "والصحيح عندنا: أن الصلاة لا يقطعها شيء مما يمر بين يدي المصلي بوجه من الوجوه؛ ولو كان خنزيرًا، وإنما يقطعها ما يفسدها من الحدث وغيره؛ مما جاءت به الشريعة".
وانظر: المدونة (١/ ١١٤)، اختلاف الحديث (١٠/ ١٢٢ - الأم)، الأوسط لابن المنذر (٥/ ١٠٠ - ١٠٦)، التمهيد (٢١/ ١٧٠)، شرح السُّنَّة (٢/ ٤٦٢).
وقال ابن قدامة في المغني (٢/ ٤٣): "مسألة: قال: ولا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم؛ يعني: إذا مر بين يديه، هذا المشهور عن أحمد -رحمه الله -، نقله الجماعة عنه.
قال الأثرم: سئل أبو عبد الله: ما يقطع الصلاة؟ قال: لا يقطعها عندي شيء إلا الكلب الأسود البهيم.
وهذا قول عائشة، وحكي عن طاوس، وروي عن معاذ ومجاهد أنهما قالا: الكلب الأسود البهيم شيطان، وهو يقطع الصلاة.
ومعنى البهيم: الذي ليس في لونه شيء سوى السواد.
وعن أحمد رواية أخرى: أنه يقطعها: الكلب الأسود، والمرأة إذا مرت، والحمار، قال: وحديث عائشة من الناس من قال: ليس بحجة على هذا؛ لأن المار غير اللابث، وهو في التطوع وهو أسهل، والفرض آكد، وحديث ابن عباس مررت بين يدي بعض الصف: ليس بحجة لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، وروي هذا القول عن: أنس، وعكرمة، والحسن، وأبي الأحوص"، ثم ذكر أن أصحاب هذا القول احتجوا بحديث أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما.
ثم قال: "قال عروة والشعبي والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي: لا يقطع الصلاة شيء"، ثم ذكر حديث أبي سعيد وابن عباس وعائشة وزينب بنت أم سلمة وغيرها، ثم قال: "ولنا حديث أبي هريرة وأبي ذر، وحديث أبي سعيد:"لا يقطع الصلاة شيء": يرويه مجالد بن سعيد، وهو ضعيف، فلا يعارض به الحديث الصحيح، ثم حديثنا أخص؛ فيجب تقديمه لصحته وخصوصه، وحديث الفضل بن عباس في إسناده مقال، ثم يحتمل اْن الكلب لم يكن أسود، ولا بهيمًا، ويجوز أن يكونا بعيدين، ثم هذه الأحاديث كلها في المرأة والحمار تعارض حديث أبي هريرة وأبي ذر فيهما، فيبقى الكلب الأسود خاليًا عن معارض فيجب القول به؛ لثبوته، وخلوه عن معارض".
وقال النووي في المجموع (٣/ ٢٢٢): "وأما الجواب عن الأحاديث الصحيحة التي احتجوا بها فمن وجهين، أصحهما وأحسنهما؛ ما أجاب به الشافعي والخطابي والمحققون من الفقهاء والمحدثين: أن المراد بالقطع القطع عن الخشوع والذكر؛ للشغل بها،