للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والالتفات إليها، لا أنها تفسد الصلاة، قال البيهقي -رحمه الله -: ويدل على صحة هذا التأويل أن ابن عباس أحد رواة قطع الصلاة بذلك، ثم روى عن ابن عباس أنه حمله على الكراهة، فهذا الجواب هو الذي نعتمده، وأما ما يدعيه أصحابنا وغيرهم من النسخ فليس بمقبول، إذ لا دليل عليه، ولا يلزم من كون حديث ابن عباس في حجة الوداع وهي في آخر الأمر أن يكون ناسخًا، إذ يمكن كون أحاديث القطع بعده، وقد علم وتقرر في الأصول أن مثل هذا لا يكون ناسخًا، مع أنه لو احتمل النسخ لكان الجمع بين الأحاديث مقدمًا عليه، إذ ليس فيه رد شيء منها، وهذه أيضا قاعدة معروفة، والله أعلم".

• وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية (١/ ٨٠): " ... ، ومن تمام هذا: أنه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم وغيره، من حديث أبي ذر وأبي هريرة - رضي الله عنهما -، وجاء من حديث غيرهما أنه: "يقطع الصلاة: الكلب الأسود والمرأة والحمار"، وفرَّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الكلب الأسود والأحمر والأبيض؛ بأن الأسود شيطان، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الشيطان تفلت على البارحة ليقطع صلاتي؛ فأخدته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد، ... " الحديث، فأخبر أن الشيطان أراد أن يقطع عليه صلاته، فهذا أيضًا يقتضي أن مرور الشيطان يقطع الصلاة، فلذلك أخذ أحمد بذلك في الكلب الأسود، واختلف قوله في المرأة والحمار؛ لأنه عارض هذا الحديثَ حديثُ عائشة لما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهي في قبلته، وحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - لما اجتاز على أتانه بين يدي بعض الصف، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه بمنى.

مع أن المتوجه أن الجميع يقطع، وأنه يُفرَّق بين المار واللابث، كما فرَّق بينهما في الرجل، في كراهة مروره دون لبثه في القبلة إذا استدبره المصلي، ولم يكن متحدثًا، وأن مروره ينقص ثواب الصلاة، دون اللبث.

واختلف المتقدمون من أصحاب أحمد في الشيطان الجني إذا علم بمروره، هل يقطع الصلاة؟ والأوجه أنه يقطعها؛ بتعليل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبظاهر قوله: "يقطع صلاتي"، ... إلى أن قال: "والذين خالفوا أحاديث القطع للصلاة لم يعارضوها إلا بتضعيف بعضهم، وهو تضعيف من لم يعرف الحديث، كما ذكر أصحابه، أو بأن عارضوها بروايات ضعيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يقطع الصلاة شيء".

أو بما روي في ذلك عن الصحابة، وقد كان الصحابة مختلفين في هذه المسألة، أو برأيٍ ضعيفٍ لو صح لم يقاوم هذه الحجة، خصوصًا مذهب أحمد" [وهو في المجموع (٢١/ ١٤)].

وقال ابن رجب في الفتح (٢/ ٧٠٦) بعد أن ذكر جادة مذهب أحمد وأصحابه: "ولهم في ذلك مسلكان آخران:

أحدهما: أن حديث عائشة لا يعارض حديث أبي ذر؛ فإن حديث عائشة في وقوف المرأة بين يدي المصلي، وأنه لا يبطل صلاته، وحديث أبي ذر في مرور المرأة، وأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>