للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مبطل للصلاة، فيعمل بكلا الحديثين، فتبطل الصلاة بمرور هذه الثلاثة دون وقوفها في قبلة المصلي، وهو رواية عن أحمد.

وهذا يتوجه على إحدى الروايتين عن أحمد في إبطال الصلاة بمرور الثلاثة المذكورة في حديث أبي ذر، وقد رجحها بعض أصحابنا المتأخرين.

وقد تقدم قول عائشة: فأكره أن أسنحه؛ أي: أعترض بين يديه مارة، فدل على أن مرورها بين يديه مما يكره ويتقى، بخلاف نومها معترضة .....

ويدل على أنه يفرَّق بين المرور والوقوف: أن المصلي مأمور بدفع المار ولو كان حيوانًا، وقد وردت السُّنَّة بالصلاة إلى الحيوان البارك والمرأة النائمة، فدل على الفرق بين الأمرين، وقد استدل الإمام أحمد بهذا على التفريق بين المرور والوقوف.

والثاني: أن يحمل حديث عائشة على صلاة النفل، فلا تقطعها المرأة، وحديث أبي ذر على الفريضة، وهذا مسلك آخر لأصحابنا، وقد حكوا رواية عن أحمد بالفرق بين الفريضة والنافلة في قطع الصلاة بمرور هذه الثلاثة .....

وقد سلك بعضهم مسلكًا آخر، وهو نسخ القطع بالمرأة والحمار بحديث عائشة وابن عباس؛ لأن حديث ابن عباس كان في حجة الوداع في آخر عمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحديث عائشة يدل بظاهره على استمرار النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما أخبرت به عنه إلى آخر عمره، ولو كان قد ترك ذلك في آخر عمره لما خفي عليها، وبقي الكلب الأسود لا ناسخ له، وهذا المسلك فيه نظر، وقد أنكره الإمام أحمد في رواية حرب، وأنكره أيضًا الشافعي في كتاب مختلف الحديث، وعلى هذا المسلك يتوجه القول بإبطال الصلاة بالكلب الأسود خاصة.

وأحمد كان شديد الورع في دعوى النسخ، فلا يطلقه إلا عن يقين وتحقيق؛ فلذلك عدل عن دعوى النسخ هنا إلى دعوى تعارض الأخبار، والأخذ بأصحها إسنادًا، فأخذ بحديث عائشة في المرأة، وحديث ابن عباس في الحمار، فبقي الكلب الأسود من غير معارض"، ثم أطال النفس في بيان مذهب أحمد، وتوجيه كلامه.

إلى أن قال (٢/ ٧١٠): "ومتى قيل: إن حديث ابن عباس في مروره بالحمار بين يدي بعض الصف: لم يكن مرورًا بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل كانت سترته محفوظةً، فلا دليل في حديثه هذا على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة، وإن انضم إلى ذلك التفريق بين مرور المرأة ووقوفها وجلوسها ونومها لم يبق في حديثها [يعني: حديث عائشة] دليل على أن المرأة لا يقطع مرورها، فيسلم حينئذ حديث أبي ذر وما أشبهه من معارض في الكلب والمرأة والحمار".

قلت: وهذا القول عندي هو الصواب كما أسلفت، والذي به تأتلف الأحاديث، ويعمل بها جميعًا, ومتى أمكن إعمال جميع الأدلة كان أولى من إهمالها، أو القول بتأويل القطع المذكور، أو القول بنسخها، لا سيما مع عدم وجود الدليل على تأخر الناسخ من الأدلة على المتقدم منها في الزمن، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>