للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ممن نقل هذا عن ابن معين في ترجمة الكرماني هذا، هو أبو الوليد الباجي في كتابه التعديل والتجريح، ولم أجد من سبقه إلى ذلك، والذي يظهر لي أن ابن معين إنما وثَّق رجلًا آخر متقدمًا على هذا في الطبقة، وكلاهما يقال له: محمد بن أبي يعقوب، ولأجل ذلك وقع اللبس، والله أعلم.

قال عثمان بن سعيد الدارمي لابن معين: "قلت: فمحمد بن أبي يعقوب، الذي يروي عنه مهدي بن ميمون، ما حاله؟ فقال: ثقة"، فهذا الذي وثقه ابن معين في رواية الدارمي؛ إنما هو: محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، وقد ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (٧/ ٣٠٨)، وقال: "روى عنه: شعبة، ومهدي بن ميمون، وجرير بن حازم"، ثم نقل توثيق ابن معين له من رواية إسحاق بن منصور الكوسج عنه، بينما لم ينقل ابن أبي حاتم في ترجمة محمد بن إسحاق بن أبي يعقوب الكرماني (٧/ ١٩٥) و (٨/ ١٢٢) توثيق أحد له، بل جهله أبو حاتم، فهذا هو الذي وثقه ابن معين، محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب التميمي، وقد ينسب في الرواية إلى جده، وهو من رجال التهذيب (٣/ ٦١٩)، وقد وثقه جماعة، ولم يُنقل فيه جرح، وقال عنه ابن حجر في التقريب (٥٤٦): "محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب التميمي، البصري، وقد ينسب إلى جده: ثقة، من السادسة"، ورمز له برواية الجماعة، بينما صاحب الترجمة متأخر عن هذا في الطبقة، فالكرماني من الطبقة العاشرة، وانفرد البخاري بالرواية عنه دون أصحاب الكتب الستة، وعلى هذا فلا يثبت عندي توثيق ابن معين له، لا سيما مع عدم جزم المزي بهذا التوثيق، وأما ابن حجر فقد تردد فيه، والله أعلم.

والكرماني إنما وثقه الدارقطني فيما رواه عنه الحاكم، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة منهم البخاري، وانفرد بالإخراج له دون أصحاب الكتب الستة، وقد أخرج له البخاري في صحيحه عن حسان بن إبراهيم الكرماني وحد؛ فإنه بلديه، وهو مكثر عنه، ولم يخرج له البخاري إلا فيما توبع عليه، ولم يخرج له من حديثه عن ابن عيينة شيئًا، بل لم يكثر من الرواية عنه، وإنما روى عنه في الصحيح في ثلاثة مواضع فقط، في البيوع والتفسير والأحكام [انظر: صحيح البخاري (٢٠٦٧ و ٤٦٢٤ و ٧١٦٠)].

[تاريخ ابن معين للدارمي (٧٢٩)، التاريخ الكبير (١/ ٤١ و ٢٦٧)، كنى مسلم (١٩٨٨)، الجرح والتعديل (٧/ ١٩٥) و (٨/ ١٢٢)، الثقات (٩/ ٩٨)، رجال البخاري للكلاباذي (٢/ ٦٣٨)، سؤالات الحاكم (٤٧٩)، التعديل والتجريح (٢/ ٦١٩)، موضح أوهام الجمع والتفريق (١/ ٢٠)، بيان الوهم (٢/ ٢٨٩/ ١٠٣٦)، تهذيب الكمال (٢٤/ ٤٠٣)، الميزان (٤/ ٧٠)، المغني (٢/ ٦٤٥)، تاريخ الإسلام (١٨/ ٤٠٨)، التهذيب (٣/ ٥٠٣)، فتح الباري (٤/ ٣٠١)].

فمن كان هذا حاله؛ لا يُقبل تفرده عن ابن عيينة بمثل هذا الإسناد، فأين أصحاب ابن عيينة الثقات على كثرتهم، حتى يتفرد عنه أحد الغرباء بما لا يتابع عليه؛ فهو حديث غريب جدًّا.

فلا يصح هذا عن ابن عباس من وجه، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>