قلت: وحاصل ما تقدم: أن الثابت في هذا الذكر بالأسانيد الصحيحة: موقوف على عمر قوله، ولا يصح مرفوعًا من وجه.
قال ابن خزيمة في صحيحه (١/ ٢٣٨ - ٢٤٠) (١/ ٥٢٩ - ٥٣٣) [ط ماهر الفحل]: "أما ما يفتتح به العامة صلاتهم بخراسان من قولهم: سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك: فلا نعلم في هذا خبرًا ثابتًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أهل المعرفة بالحديث، وأحسن إسناد نعلمه رُوي في هذا خبرُ أبي المتوكل عن أبي سعيد".
ثم استنكره بعد روايته له، فقال: "وهذا الخبر لم يُسمع في الدعاء عالمًا في قديم الدهر ولا في حديثه استعمل هذا الخبر على وجهه، ولا حُكِي لنا عن من لم نشاهده من العلماء أنه كان يكبر لافتتاح الصلاة ثلاث تكبيرات، ثم يقول: سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، إلى قوله: ولا إله غيرك، ثم يهلل ثلاث مرات، ثم يكبر ثلاثًا".
ثم أخرجه من حديث حارثة عن عمرة عائشة مرفوعًا، وضعَّفه، ثم قال: "وهذا صحيح عن عمر بن الخطاب؛ أنه كان يستفتح الصلاة بمثل حديث حارثة؛ لا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولست أكره الافتتاح بقوله: سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، على ما ثبت عن الفاروق رحمه الله أنه كان يستفتح الصلاة، غير أن الافتتاح بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في خبر علي بن أبي طالب وأبي هريرة وغيرهما بنقل العدل عن العدل موصولًا إليه - صلى الله عليه وسلم - أحبُّ إليَّ وأولى بالاستعمال؛ إذ اتباع سُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل وخير من غيرها".
وقال سحنون في المدونة (١/ ٦٢): "وكان مالك لا يرى هذا الذي يقول الناس: سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جاك، ولا إله غيرك، وكان لا يعرفه".
وقال أيضًا: "وقال مالك: ومن كان وراء الإمام، ومن هو وحده، ومن كان إمامًا، فلا يقل: سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ولكن يكبروا، ثم يبتدؤوا القراءة".
وقال الإمام أحمد في مسائل ابنه عبد الله (٢٧٠): "أما الذي نذهب إليه في الافتتاح: فإنه إذا كبر أو رفع يديه، فإنا نذهب إلى ما روينا عن عمر؛ أنه كان يقول إذا افتتح الصلاة، قال: سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك".
وقال عبد الله أيضًا عن أبيه (٢٧١): "وقال: أختار افتتاح الصلاة بسبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم، هذا أعجب إليَّ، وحديث أبي المتوكل عن أبي سعيد، كأنه لم يحمد إسناده".
وقال أبو داود في مسائله لأحمد (٢٠٨ و ٢٠٩): "قلت لأحمد: استفتاح الصلاة: سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك؟ قال: نعم.
وسألته مرة أخرى؟ فقال: نحن نذهب إلى استفتاح عمر".