للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن المعتمر بن سليمان، قال: حدثني إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، عن أبي خالد الوالبي، عن ابن عباس، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح صلاته بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.

ويأتي تخريجه تحت الحديث رقم (٧٨٨).

وعلى هذا فيكون من قال فيه: عن المعتمر عن أبيه عن أنس؛ قد سلك فيه الجادة والطريق السهل، وهذا الإسناد الأخير لا يضبطه إلا حافظ، ورواية جماعة الحفاظ المتقنين أولى من رواية الواحد والاثنين، فكيف وقد تُكُلِّم في ابن أبي السري، فإنه وإن وثقه ابن معين، فقد قال أبو حاتم: "لين الحديث"، وقال ابن عدي وجماعة: "كثير الغلط"، وهو كثير الوهم والخطأ [التهذيب (٣/ ٦٨٦)، الميزان (٤/ ٢٣)، وقال: "ولمحمد هذا أحاديث تستنكر"]، فهذا الحديث من مناكيره، والله أعلم.

فإن قيل: في طريق ابن أبي السري قصة تدل على أنه قد حفظ الإسناد والحديث، فيقال: ولو سلمنا جدلًا بذلك فليس فيه دليل على الجهر بالبسملة، ولا يصلح متمسكًا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر في صلاته بالبسملة، بل غايته أن المعتمر كان يجهر بها، في جملة صفة صلاته، قال ابن رجب في الفتح (٤/ ٣٦٤): "ليس فيه تصريح برواية معتمر للجهر بالبسملة بهذا الإسناد، وإنما فيه اقتداء كليٌّ في الصلاة، ومثل هذا لا يثبت به نقل تفاصيل أحكام الصلاة الخاصة".

وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية في ردِّ حديث المعتمر هذا من عدة أوجه؛ حيث قال: "وأما حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه، فيُعلم أولًا: أن تصحيح الحاكم وحده وتوثيقه وحده لا يوثَق به فيما دون هذا، فكيف في مثل هذا الموضع الذي يعارَض فيه بتوثيق الحاكم، وقد اتفق أهل العلم في الصحيح على خلافه، ومن له أدنى خبرة في الحديث وأهله لا يعارض بتوثيق الحاكم، وقد ثبت في الصحيح خلافه، فإن أهل العلم متفقون على أن الحاكم فيه من التساهل والتسامح في باب التصحيح، حتى أن تصحيحه دون تصحيح الترمذي والدارقطني وأمثالهما بلا نزاع، فكيف بتصحيح البخاري ومسلم، بل تصحيحه دون تصحيح أبي بكر بن خزيمة وأبي حاتم بن حبان البستي وأمثالهما، بل تصحيح الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في مختاره خير من تصحيح الحاكم، فكتابه في هذا الباب خير من كتاب الحاكم بلا ريب عند من يعرف الحديث، وتحسين الترمذي أحيانًا يكون مثل تصحيحه أو أرجح، وكثيرًا ما يصحح الحاكم أحاديث يُجزم بأنها موضوعة لا أصل لها، فهذا هذا.

والمعروف عن سليمان التيمي وابنه معتمر أنهما كانا يجهران بالبسملة، لكن نقْلُه عن أنس هو المنكر، كيف وأصحاب أنس الثقات الأثبات يروون عنه خلاف ذلك، حتى أن شعبة سأل قتادة عن هذا، قال: أنت سمعث أنسًا يذكر ذلك؟ قال: نعم، وأخبره باللفظ الصريح المنافي للجهر، ونقل شعبة عن قتادة ما سمعه من أنس في غاية الصحة، وأرفع

<<  <  ج: ص:  >  >>