وعلى هذا فقد جاء اسم هذا الراوي -يزيد بن عبد الله بن مغفل- مصرحًا به في رواية أبي سفيان هذا، وروايته هذه ليست بشيء، وهي لا تصلح في المتابعات، كما جاء مصرحًا به أيضًا في رواية ابن علية عن الجريري، كما وقع في مسند أحمد، لكن الأقرب عندي أن التصريح باسمه ليس محفوظًا من رواية ابن علية؛ فإن ابن حجر لم يذكر التصريح باسمه في أطراف المسند (٤/ ٢٤٣/ ٥٨٠٩)، ولا في أطراف العشرة (١٠/ ٥٦١/ ١٣٤٢٢ - إتحاف المهرة)، ولم يذكر ابن الجوزي هذه الرواية في جامع المسانيد (٥/ ١٥٨ - ١٦٦/ ٤٢٣٧ - ٤٢٥٧)، وابن كثير لما أوردها في جامع المسانيد والسنن (٤/ ١٩٤/ ٦٧٨٨ - ط الدهيش) لم يذكر هذه الزيادة أيضًا، وإنما قال:"عن ابن عبد الله بن مغفل، قال: سمعني أبي"، هكذا مبهمًا، فلم يذكر زيادة:"يزيد بن عبد الله"، والذي يظهر لي أنها مقحمة في المسند، وكأنها وضعت تفسيرًا للإبهام الوارد في الإسناد على الهامش، ثم ألحقها بعض النساخ بعد ذلك بالأصل بعد قول ابن علية:"عن ابن عبد الله بن مغفل" فألحق بها تفسيرًا: "يزيد بن عبد الله"، والله أعلم.
وهذا الحديث قد رواه عن ابن علية بالإبهام: أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وهما إمامان حافظان كبيران، من كبار الحفاظ في زمانهما، وتابعهما أيضًا: مؤمل بن هشام اليشكري، وهو ثقة بصري، مكثر عن ابن علية، بل هو ختن إسماعيل ابن علية، وأهل بيت الرجل أعلم بحديثه من الغرباء.
وقد رواه عن الجريري أيضًا بالإبهام: وهيب بن خالد، وبشر بن المفضل، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [وهؤلاء ثقات أثبات، وسماعهم من الجريري قديم، قبل اختلاطه]، ويزيد بن هارون [ثقة متقن، سمع من الجريري بعد اختلاطه].
• والحاصل: فإن المحفوظ في هذا الحديث أنه عن ابن عبد الله بن مغفل، هكذا مبهمًا، ولم يصح في التصريح باسمه شيء، بل إن البخاري وابن أبي حاتم لما ترجما له قالا:"ابن عبد الله بن مغفل"، فلم يسمياه، ولم يترجما له بغير هذا الإسناد [التاريخ الكبير (٨/ ٤٤١)، الجرح والتعديل (٩/ ٣٢٤)].
قال ابن رجب في الفتح (٤/ ٣٧٣): "ويزيد هذا: لم نعلم فيه جرحًا، وقد حسن حديثه الترمذي، وما قاله طائفة من المتأخرين: إنه مجهول، كابن خزيمة وابن عبد البر، فقد علله ابن عبد البر، بأنه لم يرو عنه إلا واحد فيكون مجهولًا؛ يجاب عنه: بأنه قد روى عنه اثنان، فخرج بذلك عن الجهالة عند كثير من أهل الحديث".
قلت: تقدم بيان نكارة الرواية التي جاء فيها التصريح باسمه، فهو مبهم، لكنه أحد أولاد ابن مغفل، بغير تعيين، فهو مجهول الحال، ولم يثبت عندنا رواية من رواه عن عبد الله بن بريدة، عن ابن عبد الله بن مغفل به، فيبقى أبو نعامة على تفرده بهذا الحديث، وأنه قد تفرد بروايته وحده عن ابن عبد اللَّه بن مغفل، واللَّه أعلم.
قال ابن حجر في النكت (٢/ ٧٦٩): "وهو حديث حسن؛ لأن رواته ثقات، ولم يصب من ضعفه بأن ابن عبد الله بن مغفل مجهول لم يُسمَّ".